** لم يكن الملك عبدالله بن عبدالعزيز بحاجة إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الحازمة والحاسمة لمساعدة سورية على النجاة بنفسها.. بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم.. لولا أن بارقة الأمل التي كان ينتظرها.. قد غابت من الأفق السوري.. ولولا أن الأمور تسوء.. وتتعقد.. ولولا أن الشعب السوري بات يواجه حرب إبادة.. داخل مدنه.. وقراه.. وشوارعه.. وحتى داخل بيوته.. ** وعندما تصل الأمور إلى هذه الدرجة.. فإن سحب السفير وما قد يتبعه - بعد ذلك - من مطالبة السفير السوري بمغادرة المملكة - إذا تفاقمت الأوضاع أكثر لاسمح الله.. ** أقول.. عندما تصل الأمور إلى هذا الحد.. فإن ذلك يعني أن جميع الاتصالات.. والجهود.. والمحاولات المبذولة عبر الطرق الدبلوماسية المعروفة.. ومن خلال القنوات الخاصة.. تكون قد وصلت إلى طريق مسدود.. وأنه لم يعد أمام الملك المؤمن.. والانسان.. الا أن يعلن موقفه بكل هذا الوضوح.. وبكل تلك القوة.. ** ذلك أن الشعب السوري يموت.. ** والوطن السوري يحترق.. ** والآلة السورية.. تتمادى أكثر فأكثر.. ** والحكمة تبدو وكأنها في حالة غياب.. جراء توهم أن القوة هي الحل.. وأن العنف هو المنجاة.. وأن القتل هو السبيل الوحيد إلى فرض هيبة النظام وسلطته.. ** ولو قرأ أصحاب هذه النظريات تأريخ الثورات.. في هذا العالم.. البعيدة منها.. والقريبة.. فإنهم سيدركون أن هذه الأساليب قد أدت إلى تعليق المشانق في النهاية في أكبر الميادين العامة .. لرؤوس المتسببين في قتل شعوبهم وتدمير أوطانهم.. ** ولو .. تأملوا - فقط - ما حدث أو يحدث من حولهم هذه الأيام.. فإنهم سيدركون أيضاً أن النتيجة التي يقود إليها التصعيد واحدة.. وهي سقوط الأنظمة وبقاء الشعوب .. وإن نزفت دماؤها.. وإن أهدرت بعض حقوقها.. وإن تعرضت كراماتها للإهانة.. ** ولو .. قارنا بين ما تطالب به الشعوب.. وبين ما تفعله بعض الأنظمة.. وما تستغرقه من وقت في معالجة الأوضاع المتفجرة في بلدانها.. فإننا سوف نتوصل إلى نتيجة واحدة هي أن غياب (العدل) وفرض السيطرة بالقوة.. وتفجير الكراهية داخل النفوس .. تؤدي في النهاية إلى انهيار الدول والأنظمة واستمرار البلدان.. ** وما فعله الملك عبدالله .. في خطابه إلى الشعب السوري.. ومخاطبته للقيادة السورية.. إنما هو التأسي بقول الرسول الأعظم (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) .. والنصرة هنا.. بدعوته إلى الكف عن استمرار المجازر الحالية.. وقمع شهوة النفس الضالة.. وترسّم الطريق القويم.. والعمل بسرعة فائقة على تهدئة النفوس.. ليس فقط بالقول المعسول.. وإنما بالعمل الصالح.. وبالتوجه نحو التغيير الحقيقي.. ** فلقد عاشت سورية طويلاً داخل قفص مغلق.. وحان الوقت الآن.. للخروج منه.. وترسّم طريق الاصلاح والصلاح.. وإعادة بناء الثقة بين القيادة والشعب لأنه لا مصلحة لهما في الصدام مع بعضهما البعض.. ولا مستقبل ينتظر بلادهم في ظل استمرار الاحكام (القمعية) والصيغ البوليسية التي لم يعد لها ما يبررها.. أو يُخيف الشعوب دون التصدي لها.. ** وعندما قال الملك (إن ما يحدث في سورية لا تقبل به المملكة العربية السعودية) فإنه عبّر بذلك عن موقف حازم.. وقوي.. وصادق.. وأمين.. بعيداً عن المجاملات.. أو الصيغ الدبلوماسية.. لأن الوقت لم يعد يحتمل (المداورة) أو (المناورة) أو (الصبر).. ** وإذا اعتبر الإخوة في سورية.. أن في ذلك تدخلاً في شؤونهم الداخلية.. وقابلوه بشيء من الاستنكار.. أو الغضب فإنهم يخطئون كثيراً.. بدلاً من أن يستمعوا إليه.. ويتداركوا سلسلة الاجراءات الدولية القادمة.. وهي وبكل المقاييس سوف لن يكون بمقدورهم الوقوف أمامها ومواجهتها.. ** ذلك أن الوضع بات خطيراً .. والاستمرار في عمليات القمع.. وقتل الأبرياء.. وسفك الدماء.. لم يعد أمراً يمكن السكوت عليه.. ** وإذا لم يتحرك العرب قبل تحرك الآخرين.. فبأي وجه سنقابل الله.. وبأي ضمير سوف نقف أمام أمانتنا ومسؤوليتنا الدينية.. والاخلاقية.. والانسانية؟ ** والمطلوب الآن هو : الاسراع إلى عقد قمة عربية تؤدي إلى تحرك مسؤول يحول دون تطور الأوضاع وتدهورها.. وتمنع تدخل القوى الاجنبية بأي صورة من الصور.. وتقدم بديلاً عربياً مقبولاً ، وتحول دون تزايد تبعات المأساة.. وتفاقهما كما حدث في ليبيا.. وكما قد يحدث في اليمن إذا لم يدخل الفرقاء فوراً مرحلة التطبيق لمبادرة دول مجلس التعاون.. ولما قد يحدث في سورية أيضاً.. في وقت ليس ببعيد.. ** وإذا لم يتحرك العرب بقوة وبسرعة .. فإنهم سيدفعون ثمن تباطؤهم.. وتأخر قرارهم المطلوب.. ليس من أجل التمهيد لدخول قوى أجنبية إلى سورية.. وإنما من أجل الذهاب إلى سورية.. والالتقاء الجماعي بالرئيس الأسد.. وإقناعه بالعدول عن الممارسات الحالية والانتقال إلى مرحلة جديدة.. تحقق تطلعات الشعب.. وتحميه من المصير الأشد خطورة أيضاً.. ** وإذا لم يتحرك العرب.. بمثل هذه السرعة.. ** وإذا لم تستجب السلطة في سورية لمثل هذه النداءات المخلصة.. فإن علينا أن ننتظر - في منطقتنا- واقعاً جديداً أشد خطورة من كل ما يجري.. ** وما نتمناه الآن هو أن يقول الجميع (لا للقتل.. ولسفك الدماء.. ولا لاستمرار العنف).. كما قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. حتى يتحمل - بعد ذلك كل مسؤول نتيجة عناده.. ومكابرته.. وتحديه لإرادة الشعب.. والله المستعان. *** ضمير مستتر: **(بعض التضحية.. يقود إلى السلامة.. وبعضه الآخر يحقق مالا يتحقق بقوة السلاح.. وقتل الأبرياء).