مازال صوت قطرات المطر تثقب جدران منزل "أم الأبناء السبعة" كلما هطلت السماء في وقت الشتاء، ومازالت خطوات أبنائها وهي تتخبط بالماء المتسرب تذكرها ببيتها الذي لم يعد يصمد أمام التغيرات المناخية، الحياة الطويلة التي عاشتها برفقة زوجها الراحل لم تكف لكي تحمل بداخلها "سندا" تستطيع من خلاله أن تقاوم صعوبة المعيشة، فلم تجد بُداً من أن تخيط الأيام بصبر جميل عل الفرج يكون قريب.. لم تكن تعلم أم الأبناء السبعة أن أيدي بيضاء خفية ستوقد شيئاً من شموع الأمل في حياتها، فمعيشتهم لم تكن تعتمد إلاّ على الضمان الاجتماعي، فلا عائل لهم إلاّ الله، تعيش على الصدقات وشيء من المساعدات.. أبناؤها يدرسون لكن تكاليف تعليمهم ترهق كاهل الأم التي تحاول دفع عربة الحياة صوب التحرك، كل شيء في بيت هذه الأسرة ينطق بالفقر والحاجة.. شكل البيت المتهالك، والأثاث القديم البالي، والثياب الرثة، حتى لم تتق ابنتها الصغيرة كغيرها من الأطفال إلى شيء أكثر من توقها إلى "لعبة" تجاورها قريباً من سور الفقر، ولم يتق أبنها لشيء كما يتوق لدراجة نارية ينطلق بها في الحواري ليسابق أصحابة في حكاية شقاء.. وتبقى في الحياة أيدي بيضاء خفية تمد يد العون لأسر تعيش على إحسانها دون أن تتحول هذه الشخصيات إلى شخوص معروفة، فالقدر يشاء أن تساعد هذه الأسرة يد بيضاء خفية تقدم المساعدات الدائمة إليها، لا تعرف هذه الأسرة من يعولها بين فترة لأخرى، فالرجل الذي يقوم بتوصيل المساعدات للأسرة يرفض أن يكشف عن هوية هذا الرجل، لكنهم يجدون أنفسهم ممتنين لقلوب تشعر بمحنة الغير.. حصلت هذه الأسرة على مال قدم إليها من هذه اليد البيضاء فلم تجد الأم أهم من شراء "ثلاجة" لأبنائها تقيهم حرارة الجو في الصيف بشرب المياه الباردة بعد أن كانوا يشربونها ساخنة، وفي شهر رمضان قدمت هذه اليد الخفية مواد غذائية تسد حاجتهم في شهر رمضان، وتوفر لهم وجبتي الإفطار والسحور بعد أن ظنت الأم بأنها ستعيش أجواء الصيام برفقة الجوع الدائم. وعلى الرغم من عدم استمرار الصدقات التي تصل لهذه الأسرة والتي غالبا ماتكون متقطعة إلاّ أنها مازالت تحاول قهر الظروف بالقفز فوق سور الحاجة ومحاولة التواصل مع الجمعيات الخيرية، لكن توق إلى العفاف مازال يجول بداخل الأم ورغبة في أن تكون الحياة القادمة مقبلة بوجهها المشرق.