لفّت أدريانا إليوسكو مولودتها في شال وقاية لها من الجو البارد والهواء الرطب شأنها في ذلك شأن أيّ أم أخرى. ولكن أدريانا ليست أماً فحسب، إنها أسن الأمهات الجدد، إذ أنها وضعت ابنتها إليزا عن عمر يناهز ال66 عاماً! تقول أدريانا عن نفسها: «كنت على يقين من حملي بمولود جديد. فقد كنت أحلم بإنجاب أطفال منذ أن كنت طفلة يافعة. أما حملي إليزا بين يدي ودخولي بها البيت لأول مرة فقد غمرني بأحاسيس يستحيل عليّ وصفها مهما اجتهدت في ذلك، ولكن الدموع لم تتوقف عن تدفقها منذ خروجي من المستشفى حتى وصولي البيت. وكنت أخشى ما أخشاه عليها هو الحاق الأذى بها من مجرد حملها بين هاتين اليدين الخشنتين من شدة رخاوة جسمها ونعومته. أما الأمومة، فقد وجدتها شيئاً آخر، إنها أجمل بكثير مما كنت أتوقعه. وما كنتُ لأريد لتلك اللحظة التي كنت أحمل فيها إليزا بين يدي أن تنتهي من فرط إحساسي الغامر بالسعادة». ولكن ليس كان الناس كانوا يشعرون بالفرحة لتلك العجوز الرومانية حينما وضعت مولودتها في يناير الماضي بالتلقيح الاصطناعي. بل إن بعض الجماعات الدينية والأخلاقية وصفت العملية بأنها «مروعة» و«بشعة» تنم عن أنانية متناهية، مذكرة الناس بأن أدريانا ستكون في ال84 م عمرها عند بلوغ إليزا سن الثامنة عشرة. كما أطلق البرلمان الروماني مبادرة تنص على منع العلاج التخصيبي لمن بلغن سن اليأس. وفي غضون ذلك، كانت تلك المولودة المثيرة للجدل تنمو بقوة في مستشفى بخارست الذي قضت فيه شهرين بسبب وضعها خديجاً (عن سبعة أشهر). وفي منتصف أبريل الماضي، سُمح لإليزا بالخروج إلى البيت. تقول إدريانا عن ذلك اليوم: «لم يكن يوم ولادتها هو أسعد أيام حياتي، بل كان يوم دخولها بيتها هو أسعدها على الإطلاق. «فقد كنت أشعر بالقلق عند عتبات باب المستشفى الخمس، خوفاً من سقوطي على الأرض وأنا أحملها بين يدي. ولكني لم أكن أريد أن يحملها أحد غيري. ولعل البُسطاء من الناس من محدودي التفكير يظنون أنني أنجبتها لألهو بها. كلا .. إن هي إلا سنوات معدودات، وسرعان ما تكبر إليزا وتساعدني في تدبير شؤون بيتي، بل وحياتي كلها. إن ما ذهب إليه هؤلاء يؤذي مشاعري حقاً. فليتركونني وشأني». وكانت أدرينا، أستاذة الأدب الانجليزي بإحدى الجامعات، قد تزوجت في العشرين من عمرها. ولكن لم تنجب من زوجها لأنها لم تكن تريد أطفالاً ينشأون في ظل نظام حكم شمولي كان يحكم البلاد آنذاك. وتطلقت منه بعد أربع سنوات. تقول أدريانا «بعد تغيير نظام الحكم في البلاد حدثتُ نفسي بخوض التجربة.. تجربة الإنجاب. بل وطمعت في تكوين عائلة تقليدية كبقية العائلات. ويقيني أن المرأة التي تريد عائلة، يمكنها الاجتهاد في تحقيق مطمعها بشتى السبل. وهنالك العديد من النساء فعلن ذلك. واعتقد أن ما فعلته لا يخرج من نطاق الأخلاقيات المتعارف عليها. فليس من الضروري محاولة ذلك عن طريق المواقعة.. كلا. «وليس صعباً علي أن أخبر إليزا عندما تكبر بكل شيء عن ولادتها. فليس لدي ما استحيي منه. لن اختلق لها قصة عن زواجي من أبيها بعد قصة حب، ثم هجرني أبوها ليتركني نهب الهواجس والقلق حيال ابنتنا وتربيتها. لن أفعل ذلك قطعاً». وكانت أدريانا قد استغلت جميع مدخراتها في عمليات التخصيب التي استغرقت تسع سنوات. وقد فشلت قبل ذلك ثلاث محاولات قبل المحاولة الأخيرة التي جاءت باليزا. ولما بلغت ادريانا من العمر 66 عاماً، قام الدكتور بوغدان مارينسكو بزرع ثلاث بويضات ملقحة في رحمها، بقي واحد منها على قيد الحياة داخل الرحم ليكون سبباً في حدوث الحَمْل. وقد دافع الدكتور مارينسكو، الذي يعتبر الأب الروحي لإليزا، عن هذا الإنجاز الطبي وقال عنه «إنها هدية السماء لامرأة شجاعة. ولم أفعل شيئاً سوى تحقيق حلم امرأة طالما انتظرته أن يصبح واقعاً». وكأن كل هذا الجدل لا يعني أدريانا في شيء، فهي مشغولة تماماً بتعلّم مبادئ تربية الأطفال هذه الأيام. تقول الأم العجوز: «أطالع هذه الأيام كتباً كثيرة عن تنشئة المواليد وكيفية حمله بين الذراعين وعلى الكتفين وهلم جراً. وإني أحملها طوال الليل لأنها تشعر بمغص وتريد الاستدفاء بأحضاني واستشعار أنفاسي قريبة منها لتحس بالراحة. «وهي تحتاج لرضعة من حليب بعد كل ثلاث ساعات. وقد تكون أحياناً نائمة، فلا أوقظها من أجل الإرضاع. إنها تبدو كالملاك. وكم أنسى همومي والكم الهائل من التعب وهي بين أحضاني. ولا أشعر بالضجر منها أبداً عندما توقظني في منتصف الليل». وهنالك المربية التي نشأت أدريانا في كنفها، وهي تبلغ من العمر 62 عاماً، وسوف تتولى هذه المربية أمر العناية بإليزا ثلاثة أيام من كل أسبوع، وذلك عندما تكون أدريانا مشغولة بمحاضراتها في جامعة هايبيريون. وقد تلقت الأم العجوز عدة هدايا في شكل ملابس للمولودة وحفائض من أغراب لا تعرفهم تقديراً منهم لمشاعرها ودفعاً لما قد يوقعه في نفسها المنتقدون لها من إحساس بالذنب. تقول أدريانا: «لا أدري ما تخبئه لنا الأيام، ولكني سأبذل قصارى جهدي لإسعاد ابنتي. ولا يعتريني أي إحساس بالذنب حيال إنجاب ابنتي في هذه السن. وإليزا لديها مربية تبلغ من العمر 94 عاماً لا تزال تخدم بيتها وأطفالها. فما الذي يمنعني من خدمة بيتي وطفلتي الوحيدة مثلها رغم فارق السن بيننا. عجباً لهم»! «وسيكون طول عمري بناءً على مدى حُسن معاملة إليزا لي في كبَري. فليست إليزا هي التي تعتمد عليّ في حياتها، بل أنا أيضاً أعتمد عليها». أمهات في خريف العُمر: ساتيابهاما ماهاباترا (65 عاماً): تزعُم هذه السيدة أنها أسن الأمهات في العالم، حيث إنها وضعت مولوداً عام 2003 وهي في الخامسة والستين من العمر. وتقول ماهاباترا، وهي من إقليم بايماغراه الهندي إنها استخدمت حيامن زوجها كريشناشاندرا وبويضة ابنة أختها (26 عاماً) للحمل. وبعد ستة أشهر من العلاج بالهرمونات، أنجبت ماهاباترا مولوداً يزن 3 كيلوغرامات بعملية قيصرية. آرسيلي كيه (63 عاماً): لا شك أن المتابعين للصحافة الأمريكية يعرفون آرسيلي كيه كأكبر أمهات أميركا سناً، وقد تبلغ من العُمر 63 عاماً. ولكنها كذبت على الطبيب زاعمة أن عمرها 50 عاماً فقط طمعاً في الإنجاب. وتشعر آرسيلي وزوجها إيساغاني بالفخر بابنتها سيندي التي أنجباها عام 1997م، بعد 16عاماً من إفادة الطبيب لهما باستحالة إنجاب طفل. وقد اضطر الزوجان للكذب على الطبيب الذي لا يقبل معالجة من هم فوق ال55 من أعمارهم. وجرت زراعة حيامن زوجها وبويضة ابنة أختها في رحمها وكانت النتيجة هي سيندي. ديلا كورت (62 عاماً): تحتل ديللا كورت المركز الرابع بين أمهات العالم الأكبر سناً. فقد كان عمر كورت بالضبط 62 عاماً و7 أشهر عندما وضعت مولودها ريكاردو في العاصمة الإيطالية روما عام 1994م. وأخذت كورت الحيامن من زوجها مورو (63 عاماً)، الذي يمتهن الزراعة، والبويضات من متبرعة تبلغ من عمرها 20 عاماً، في محاولة يائسة لتعويض فقدهما ابنهما - أيضاً ريكاردو - الذي قضى في حادث مروري عن عمر يناهز ال17 عاماً. وبعد ولادة ريكاردو الصغير بعملية قيصرية بعد حالة إسقاط مُنيت بها المحاولة الأولى، قالت أمه: «لقد عانيت الاماً مبرحة عند الولادة، ولكني الآن أعيش حالة من السعادة اللامتناهية».