لم يمنع شظف العيش وقلة ذات اليد الذي كان يعانيه الأحسائيون (وربما معظم مناطق المملكة) قبل أكثر من نصف قرن من التعبير عن فرحتهم بقدوم شهر رمضان بطريقتهم الخاصة، وإظهار الكرم والخير الذي يتصف به هذا الشهر الفضيل، وذلك عبر قيام الجميع بفتح أبواب مجالسهم لمدة ثلاثة ليال، وإن ترتب على ذلك "التقتير" قليلاً على أسرهم في مقابل أن يعبر عن فرحته بالضيف الكريم (رمضان)، الذي لا يأتي في العام إلا مرة واحدة، وذلك عبر توفير بعض المأكولات التي يذهب ساكنو القرية إلى مدينة الهفوف لشرائها وتوفيرها لضيوفهم!. "م. عبدالله بن عبدالمحسن الشايب" المهتم بالتراث في الأحساء يعيد ذاكرته التي عايشت شيئاً من ذلك الماضي بكل ما فيه من قسوة مادية، ويتحدث بحالة من العشق والحنين لتلك الأيام، مشيراً إلى أن رمضان بما له من مكانة تعبدية خاصة في نفوس المسلمين، ارتبط كذلك لدى مجتمعنا بسلوك اجتماعي وطبيعة الأعمال التي يمارسونها، فيستعد الآباء لاستقبال الشهر قبل أيام، وذلك بتجهيز المجالس وتنظيفها استعداداً لفتحها أول ثلاثة أيام، وكانت هذه الممارسة يقوم بها الجميع، وكانت معظم المجالس لا تفتح طوال العام إلاّ حين يحل شهر رمضان وفي العيد، وكان أهل قرى الاحساء يجوبون قراهم متنقلين من مجلس إلى آخر لتبادل التهاني بقدوم الشهر. وقال إن هذا السلوك الإسلامي الجميل كان يمارسه الرجال والنساء على حد ٍسواء، موضحاً أن هذه الزيارات كانت تتسم بالأريحية والبساطة، بمعنى أن الزائر كان يمكث طويلاً باعتبار أن ليالي رمضان ارتبطت بما يسمى "التعتم" أو السهر، كما أن الحديث "كما هي الحياة" كان يتناول مواضيع حياتية بسيطة، أو اجتماعية وأحياناً دينية. ويرى بعضهم أن تلك الحميمة التي كانت تسود في المجتمع الأحسائي لم يبق منها شيء، وحل الوسائط ووسائل الاتصال مكان الزيارات في تبادل التهاني، فيما آخرون يرون أن قليلاً من هذه العادة لا يزال موجوداً في القرى على أقل تقدير، وربطوا بين بقائه لوجود فئة من كبار السن الذي يصرون على إحيائه رغم قلة الزائرين لهم في المجالس، فيما لم يعد لفتح المجالس لتلقي التهاني بالشهر الكريم أي وجود في المدن.