الخوف من الدعاء طبيعة تسكن النفس المؤمنة التي تقر في داخلها مخافة استجابته، وتتجنب دائما أن تكون عرضة لدعاء مظلوم ليس بينه وبين الخالق حجاب ، وفي مشاهد تبدل أحوال بعض الاشخاص من حياة مترفة وصحة إلى حياة الكفاف والمرض نهمس فيما بيننا بالقول بأن هذا التحول إلى الأسوأ الذي أصابهم هو نتيجة ظلمهم للناس ، أما إذا ظلوا في تزايد مستمر في مالهم وجاههم وصحتهم ، فنأسف على حالهم لأن جزاءهم مؤجل إلى يوم الآخرة ، والحقيقة أن هذا الأسف لم يكن نتيجة شفقة على حالهم وحبا صادقا بأن يختم الله حياتهم بالخير ، ولكنه عزاء نقدمه لأنفسنا لإفلاتهم من عقوبة الدعاء.. وكم من واحد منا دخل على مسؤول تسبقه إليه دعواته بالخير ، وخرج من عند هذا المسؤول وكال عليه دعاء يرهب كل شخص سمعه عندما لم ينل ما جاء من أجله، ولو سمعه المسؤول لربما بدّل موقفه وليس هذا التبدل نتيجة سلامة اإجراءات الداعي ولكن مخافة من الدعاء ، وكثيرا ما نشاهد دراما واقعية يصنعها بعض الأشخاص حيث إن أقبل شخص (مراجع) على مجموعة من الموظفين ولسانه يلهج بالاستغفار والدعاء وما أن يقدم طلبه إلى الموظف تجد زملاء هذا الموظف يحثونه على إنهاء إجراءاته حتى لا ينسفه بدعوه تزيله من مكانه وتخسف بصحته وحياته.. الدعاء الصادق دليل على إيمان صادق هذه حقيقة راسخة لا تقبل الجدل والنكران ، والدعاء الصادق دائما هو ما يكون في ظهر الغيب بعيدا عن عين وسمع المسؤول ، أما الدعاء بالسعة والصحة والجنة والمغفرة للمسؤول مباشرة فهذا شيء قد يدخله شيء من النفاق ، وهناك بعض المسؤولين ما أن يدخل عليهم شخص تظهر عليه علامات استجابة الدعاء والالتزام إلا كان له ماحضر من أجله، وربما تحول هذا المراجع الى صاحب فضل عندما يطلب منه المسؤول أن يدعو له " ادعُ لنا ياشيخ" ، وكم من محتال استخدم مظهر الإنسان الملتزم بدينه - وهو بعيد جدا عن الالتزام بُعد النفاق عن الورع - لأن ذلك المنظر المخادع هو بطاقة عبور لكل نفس تخاف الدعاء وترجو بركته فتتعلق بالمظهر وتبتعد عن سلامة الضمير الذي ربما لا يعكسه مظهر ولا يعبر عنه حديث ربما تضيع لأهل الضمير الطيب والطلبات الصادقة حقوقها بسبب أن أصحابها لا تظهر عليهم علامات الدعوات المستجابة.. الدعوة الصادقة والمستجابة لا تأتي بخدعة وتجاوز ، بل هي نتيجة عملك أنت وليس عمل الغير ، وأمة تقوم اجراءاتها وتعاملها بين مؤسساتها وافرادها على الدعاء لا تعرف سلامة الاجراءات وصدق طلبات أصحابها..