العراق تتقاذفه أمواج السياسة والمذابح ولكن رسام الكاريكاتير العراقي مؤيد نعمة حاضر لمساعدة الناس على الضحك والسخرية منها. فالمبدع نعمة صاحب الأعوام الثلاثة بعد الخمسين يستخدم خطوطاً حادة واشكالاً على صورة حبات البطاطس ليحكي لنا قصة عراق اليوم. إنه مكان تعود الناس فيه على العنف في الشوارع وفساد الدولة على نطاق واسع وعلى الجدل الذي لا ينتهي بين السياسيين. ومع تصاعد وتيرة العنف في سائر أنحاء العراق بوجه عام وفي بغداد على وجه الخصوص في الأسابيع القليلة الماضية رسم نعمة صوراً هزلية للوضع القاتم حيث تدمر السيارات المفخخة المدارس العراقية وتتبعهم بالقتل في الاسواق واماكن العمل والمنزل. وتنشر رسوم نعمة الكاريكاتيرية في عدة صحف يومية. وفي أحد كاريكاتيراته الأخيرة، رسم نعمة شخصية غامضة ترتدي الدشداشة العراقية الشهيرة وهي تتجول في معرض للسيارات المستعملة وبائع يشير عليه بالسيارات الأفضل لعملية التفخيخ. وفي كاريكاتير آخر رسم لرجل يجلس على مقهى يحتسي الشاي مع صديقه وتنفجر سيارة وتقذف بالرؤوس والأيدي وعجلات قيادة في كل الاتجاهات ولكنه يطمئن صديقه «لا تقلق إنها ليست سيارتنا». هنالك خمسة رسامي كاريكاتير آخرين محترفين على شاكلة نعمة في عراق اليوم يوظفون الطرفة وخفة الدم لرسم البسمة على شفاه العراقيين الذين أدمت قلوبهم وأرهقتهم الحرب. ومن بين هؤلاء عبد الرحيم ياسر الذي اظهر العراق تحت حكم صدام كرسام في مرسم محاط بسور من الطوب وهو يقوم بتكرار رسم هذه الأسوار على مشمع من بعد مشمع. وفي رسم كارتوني آخر عراقيان محاطان بنفس الأسوار وهما يتجاذبان ويضرب كل منهما الآخر عند قاعدة سلم وحيد للهرب. وفي الإطار الثاني نفس الشخصين وكل يقف وحيداً وهو يحمل نصف السلم وكلاهما غير قادر على بلوغ قمة السور لان النصف الذي معه ليس بالطول الذي يمكنه من تجاوز السور. وقال نعمة «بعض الناس يعتقدون بأن الكاريكاتير فقط للضحك . ولكن عندنا هنا كوميديا سوداء. ربما تضحك منها ولكنها مؤلمة». ويبرز الفساد كثيراً في رسومات نعمة الكارتونية. ويشتكي العراقيون مر الشكوى من السرقات التي يقوم بها المسؤولون الحكوميون والتي يقولون بأنها قد كثرت منذ سقوط صدام حسين. وفي رسم نشر في مارس الماضي ظهر طبيب وهو يجري عملية لشخص بدين اسمه «الوزارات الحكومية». والطبيب يدخل يده عميقاً في جوف المريض ويعلن بأنه يعاني من تضخم البنكرياس من كثرة الأموال العامة. ويمارس الفنان نعمة هوايته في غرفة صغيرة في شقة بغرب بغداد. وتزين رسوماته حيطانها الوردية وأدواته أقلام رصاص وأقلام حبر والمحايات وطاولة صغيرة في ركن الغرفة النظيفة المرتبة. ويفضل نعمة العمل في الليل حيث لا يشوش عليه أحد. ويقول أثير حداد أستاذ العلوم المالية بإحدى الجامعات الخاصة وهو أحد المعجبين برسوم نعمة عن الأخير «يقولون بأنك بالكاد تسمع صوته عندما يتحدث ولكن عندما ترى رسومه تحس بأنه مرجل يغلي من الداخل. انه يشعر بآلام الناس». ويقول نعمة الذي تعرض للتعذيب خلال فترة حكم صدام حسين بسبب انتمائه للحزب الشيوعي العراقي بأن الحياة افضل الآن حيث يستطيع الناس الحديث وممارسة شعائرهم الدينية بحرية وان حالة الفوضى وانعدام القانون سوف تتحسن في نهاية المطاف. ولكن الديمقراطية تسير ببطء في العراق وقد صوت العراقيون في انتخابات عامة شملت سائر البلاد قبل أكثر من ثلاثة اشهر ولم يتم تشكيل حكومة حتى السابع من شهر مايو الجاري. ٭ (نيو يورك تايمز)