المستهلك هو المحور الذي تدور حوله قطاعات الاعمال وخلفه تجري الشركات والمؤسسات وهو محل اهتمام اصحاب البضائع ورؤس الأموال. المستهلك هو الذي أنشئت من اجله الهيئات واللجان ومن اجله وضعت التشريعات والقوانين، انه من يقف الجميع له احتراما وتقديرا يقول فيستمع له الجميع ويطلب فيستجاب له. ومن اجله أنشئت كليات وجامعات ومراكز ابحاث تدرس سلوكه وتحاول التعرف على رغباته وتطلعاته على امل ان تصل الى رضاه ومن اجله تبذل شركات ومؤسسات كل غال ونفيس لتسويق له وتقديم كل الخيارات بين يديه. ويقابل هذ الصورة صورة أخرى كالحة غامظة سيئة بكل ما تعنية الكلمة لطخها الغش والخداع والتسلط والظلم وأصبح المستهلك في حال يرثى لها بين هم وغم تكالب الجميع عليه فصار لقمة سائغة وفريسة ضعيفة لاتجد من ينصرها او حتى يسأل عنها، يصرخ فلا احد يسمع له وسيتنجد فما من مجيب ويدفع دون مقابل يعيش في عالم يأكل فيه القوي الضعيف والكل فيه جائع فلا يدري هل هو لوحده ام انه مع الجميع. هذا التناقض الذي يواجه المستهلك في هذا العالم الفسيح يوجد بمكان الا انه غائب في اماكن اخرى وان ظهر في زمان فانه يغيب في أزمنة أخرى، ويعيش المستهلك بين هذه التناقضات يبحث عن الحل على الرغم من انه يملك كل الحلول عندما ياخذ بمدأ ان يد الله مع الجماعة وعندما يعتقد انه جزء من مجتمع كبير يساهم باصلاحة عندما يصلح بنفسة. ولنتخيل، اذا لم يكن لدينا سابق تجربة، مجتمعا من المستهلكين الواعين المثقفين المتعاونين المنضبطين الذين يفرضون احترامهم على الجميع ويحكمون سيطرتهم على القاصي والداني فيصبح الخيال واقعا ويسترجع المستهلك عزته وهيبته. انه أمر ليس بالغريب ولا بالمستحيل بل إن كل ما يحتاجه هو ان يعتمد المستهلك على نفسة فلا يلجاء الى وزارة تطالب التاجر بترخيص لعمل تخفيضات ولا تسأله لماذا يرفع الأسعار؟ او الى هيئات لم تستطيع ان تحمي نفسها، او جمعيات اقصى ما يمكن ان تقدمه ان تكتشف ان هناك ارتفاعاً خيالياً في الأسعار او الى تاجر يحاول تصريف بضائع قاربت ان تنتهي صلاحيتها او يحتاج ان يتخلص منها قبل ان يبدأ موسما جديدا فيتورط ببيعها، او حتى ان يلجأ الى صديق او قريب جاهل غير واع بان الموسم القادم لا يحتاج الى استنفار لشراء كميات من البضائع قد يحتاج بعضها ويستغني عن الكثير، او ان يلجأ الى عائلة لا تحاول ان تتعامل مع ذلك الموسم بشكل اعتيادي في استهلاكها. إن اعتماد المستهلك على نفسة يتمثل في عدد من القضايا أهمها ان يكون بعيدا عن الانانية فلا يقول انا مقتدر ولا يعنيني ارتفاع طفيف في الاسعار (من وجهة نظره طبعا)، او ان يستصغر نفسه ويقول ما تاثيري في هذا السوق الكبير عندما لا اشتري هذه السلعة او تلك الخدمة المبالغ في سعرها وقد تكون مقلدة او مغشوشة، او انه لا يؤمن بان علاج الغالي بتركه فلا يعود نفسه الامتناع عن شراء كل ما تشتهي في أي وقت او ان يقهر قدرته ورغبته ليحقق مصلحة عامة او غير مباشرة، ان اعتماد المستهلك على نفسه أولا في الحصول على حقوقه يدل على وعيه وإدراكه لعواقب الامور بشكل أبعد من مجرد اللحظة التي يعيشها. ان اعتماده على نفسة يعني تخليه عن ذاته الآنية ليحقق ذاته الحقيقية فلا يكون متفرجا وغيره عامل او مستمع وغيره يتكلم او سلبي وغيره الايجابي. إن المبادرات الشخصية للمستهلك الواعي في الاصلاح هو صلاح السوق فبجهودهم المجتمعة يتكون سلوك استهلاكي راشد يؤثر في قرارات المنتج لتقديم الافضل والأنسب سواء من حيث السعر او القيم المضافة وتساعد المشرع والمراقب للقيام بدوره على أكمل وجه وبشكل يحقق طموحه وتطلعاته. ومع ذلك كله فان اعتماد المستهلك على نفسة لن يجعله يستغني عن الأطراف الأخرى او ان يلغي دورهم الانتاجي اوالتشريعي او الرقابي، ولكنه سيجعل منه حجر زاوية ومحور ارتكاز يصنع منهم من يكمله ويقف معه ومن يخدمه ويحميه دون ان يتنازل عن حقوقه او ان يقصر في واجباته، فهل يا ترى يمكن ان يتحقق ذلك ويكون المستهلك فعلا سيد السوق؟. * إدارة استراتيجية وتسويق كلية إدارة الأعمال – جامعة الملك سعود