الشعر الذي يحلق إبداعاً من الأعماق، أشبه ما يكون بالأحلام في مواجهة الحقائق، يصنع عالمه الجميل، ويبدع فضاءاته الساحرة، ويأخذنا من صلابة الواقع إلى نداوة الأحلام، ومن رتابة الحياة إلي حرارة العواطف، ومن قبح المحيط إلى عالم مزركش جميل، ومن الكلمات الجامدة كالصخور إلى الصور الطائرة كالفراشات الملونة في حدائق لا نهاية لها. الشعر فن جميل بل هو من أجمل الفنون وأرقاها وأبقاها على مر العصور، حمل لنا في مواكبة المذهلة عواطف رفافة حملتها مواهب حساسة، وحلقت بها تجارب ممتازة لأناس ممتازين بالقدرة على التحليق والخيال والتصوير والابحار في جزائر السحر والجمال، فما من شاعر صادق موهوب، إلاّ عاد لنا من جزائر الجمال المسحورة بشلالات مدهشة، ونوافير ملونة، وزهور معطرة، وحملنا على بساط الريح إلى عالم آخر أجمل من عالمنا.. عالم ينبض بالعواطف ويبرق بالصور ويومض بالنجوم ويبحر إلى موانئ جديدة جميلة يمر خلالها بزرقة الماء والسماء وألوان جزر المرجان ليأخذنا - في رحلة مدهشة - من زماننا ومكاننا إلى ما هو أرق وأرقى وأكثر رهافة وحياة وادهاشاً. إن قارئ الشعر الرائع يطير في الخيال! تقول الشاعرة نازك الملائكة: تعال لنحلم ان المساء الجميل دنا ولين الدجى وخدود النجوم تنادي بنا تعال نعيد الرؤى ونعد خيوط السنا ونشهد منحدرات الجبال على حبنا ** سنمضي معاً فوق صدر جزيرتنا الساهده ونبقى على الرمل آثار أقدامنا الشارده ويأتي الصباح فيلقي بأندائه البارده وينبت حيث حلمنا ولوزهرة واحده ** سنحلم أنا صعدنا نزود جبال القمر ونمرح في عزلة اللانهاية واللابشر بعيداً بعيداً إلى حيث لا تستطيع الذكر إلينا الوصول فنحن وراء امتداد الفكر ** سنحلم أنا استحلنا صبيين فوق الرمال بريئين نركض فوق الصخور ونرعى الجمال شريدين ليس لنا منزل غير كوخ الخيال وحين ننام نمرِّغ أجسامنا في الرمل ويسافر بنا شاغر آخر إلى عالم من السحر والعطر والجمال: يا حبيبي أين مني ليلة من الف ليله وصباح من غناء لم تر الشطآن مثله كلما مر نسيم رفعت كفاي خصله وعلى هدبيك حلم أخضر فيه الشموع يا حبيبي! ** كيف طرزنا الروابي ومع العطر جرينا؟! وجرى صبح صغير ويداه في يدينا؟! أترى كنا ربيعاً قبلما يأتي الربيع؟ يا حبيبي!» ** نحن عشنا كطيور الغاب رقصاً وغناء نلحق العطر ونغفو بين حمرته مساء فلنا عش سخي مس في الجو السماء حوله المجهول والأشواق والهمس الوديع يا حبيبي! ** ولسعاد الصباح تسافر بنفسها وبحبيبها وبنا مع شعرها الحالم: ليتني غانية «الجيشا» التي تهوى العطاء ليتني.. كي أهب العمر لعينيك فداء املأ الدنيا حواليك عبيراً وضياء وأذيب الثلج من حولك في برد الشتاء وتراني ظلك الحاني إذا ما الصيف جاء وأغني لك من عاطفتي أحلى غناء ثم أروي لك شعراً لم يقله الشعراء وحكايا لم ترد فيما رواه الحكماء وكأني شهر زاد الحب عادت في الخفاء لترُدَّ الملل القاتل عن سيدها طول المساء ولشاعرنا المبدع خالد الفيصل: اجاذبك الهوى واطرب واغني وابادلك الغرام بكل فن واشاهد صنعة الله في جمالك وحكمة الذي فيك امتحنى واشوف الود في عيونك ولكن يرد الود خوف فيك مني ولا أدري وش يخيفك يا حبيبي وانا بك مغرم جاك متعني ولو انك تلاحظ شفت عيني وهي تروي حديث الحب عني تنعم دوم توك في شبابك ليالي العمر ما قط امهلني تعال اسقيك من جدول غرامي شراب فيه للعاشق تهني واهيم بك في سموات المحبه الين انك بعد مثلي تغني وللشاعرة الشعبية (فتاة العرب) من الإمارات: ولي من هب ماهبت نساعنا من الريعان لفت بالفل والريحان وانفاح الصبا فيها صبا لا من ديار الغرب لا فيها ولا لبنان لفت من ديرة ترعى الجوازي في مفاليها تقطف روس عيدان سقاها الموسمي هتان وتمرح في هضاب نابيه خضر روابيها خلية جو قفر ما بها حضر ولا سكان سوى النسمه تداعب بنتها والغيث يحييها تشيل الهم عن قلب الوليع العاشق الهيمان وتبري من جروح الروح ما تخفى خوافيها