اطلعنا في جريدة الرياض على مقال للأستاذ فهد بن عامر الأحمدي بعنوان (أبطال الحقيقة والخيال) في عدد الثلاثاء 11 شعبان 1432 ه رقم (15723) . وقد استغربنا في الأمانة العامة للهيئة العالمية للتعريف بالرسول مما تضمنه المقال من مجانبة الأدب الواجب مع المصطفى عليه الصلاة والسلام ، ولذلك تتابعت اتصالات القراء وغيرهم بالأمانة العامة للهيئة مستنكرة ما تضمنه المقال المشار إليه. ومحل المؤاخذة في المقال: الطريقة التي تم من خلالها إقحام النموذج النبوي بأساطير وشخصيات لا يصح أن تكون في مقام شخصية النبي صلى الله عليه وسلم ، بغض النظر عن صحتها أو أسطوريتها ، فليس لنبينا الكريم مكان بين هؤلاء ، وكما قال الأول: ألم ترَ أن السيف ينقص قدرُهُ إذا قيل إنَّ السيفَ أمضى من العَصا فبطولة النبي وقوته وشجاعته ليست مكتسباً جسمانياً مجرداً ، ولكنها منحة ربانية معجزة، تتقاصر عنها قوى البشر ، مهما كان لديهم من شجاعة أو قوة أو بطولة. والكاتب نفسه ساق بعض الشواهد في مقاله، والتي تبين أن تلك القوة كانت من المعجزات التي آتاها الله جلَّ وعلا لنبيه محمد. وتضمن المقال أيضاً: عبارة فيها التشكيك أو التردد في إثبات الشجاعة للمصطفى ! حيث قال الكاتب: وحين مات عنترة كان رسول الله في العشرينيات من عمره - وبدوره أبدى شجاعة وقوة خارقتين (رغم عدم اشتهاره بهذا الجانب)!!. وهذا غريب من الكاتب لأن صفة الشجاعة والقوة من الصفات التي أطبق أهل الإسلام على معرفتها عن نبيهم محمد، وأقر له بها خصومه وأعداؤه في حياته. وأقر له بها غير المسلمين إلى يومنا هذا. فهو أشجع ولد آدم عليه السلام على الإطلاق. ولم تزل دواوين الإسلام حافلةً بسرد شجاعته وقوته وإقدامه، تلك الشجاعة التي تجلَّت في أروع صورها دفاعاً عن الحق ونصرةً للمظلومين وإعانة للمحتاجين. ففي "الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي ( أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة ، فانطلق الناس قِبَل الصوت، فاستقبلهم النبي، قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول: " لم تُرَاعوا، لم تراعوا" ، وهو على فرسٍ لأبي طلحة عُرْيٍ ما عليه سَرْجٌ ، في عنقه سيف ، فقال: " لقد وجدناه بحراً ، أو إنه لبحرٌ " يعني بذلك الفرس حيث يسمى بذلك إذا كان يجري جرياً متتابعاً كالبحر). وقال البراء بن عازب رضي الله عنه: " ... كنا إذا احمرَّ البأس نتقي به ، وإن الشجاع منَّا لَلَّذي يحاذي به " يعني النبي، رواه مسلم . وقال سيد الشجعان عليٌّ رضي الله عنه: " كُنا إذا احمرَّ البأس ، ولقي القومُ القوم ، اتقينا برسول الله ، فما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه " رواه أحمد . إلى غير ذلك مما حفلت به سيرته مما يضيق المقام عن عرضه وبيان دلالاته. فشجاعته وقوته ونجدته أمر محقق في كل مراحل حياته ، وفي هذا يقول القاضي عياض رحمه الله: " وكان صلى الله عليه وسلم منهما بالمكان الذي لا يُجهل ، قد حضر المواقف الصعبة ، وفرَّ الكُماةُ والأبطال عنه غير مرة ، وهو ثابت لا يبرح ، ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح ، وما شجاعٌ إلا وقد أحصيت له فرَّةٌ وحُفظت عنه جولة سواه " ا.ه. وهذه الشجاعة والبطولة الفذة امتداد لشجاعته قبل النبوة حيث ظهرت معالم هذه الشجاعة والبطولة إبان إقامته بمكة في مجالات متنوعة تناسب العهد المكي ؛ سواء قبل البعثة أم بعدها. ومن أمثلة: ذلك خلوته للتعبد والتحنث في غار حراء حيث الجبل النائي والمكان الشاهق وما يستلزم من قوة نفسية وشجاعة ذاتية. ومن الأمثلة: شجاعته وثباته الذي منحه الله إياه عند نزول الوحي ورؤية جبريل وهو أمر عظيم يحتاج إلى شجاعة خارقة وتثبيت عظيم لا يستطيعهما أحد من الناس بملكاته الذاتية لأنه خارج عن العادة البشرية فيحتاج إلى تأييد الله سبحانه. (إنَّا سنُلقِي عليكَ قولاً ثقيلاً) [المزمل:5] ومن الأمثلة: الشجاعة في الجهر بالدعوة وعرضها على أهل مكة وعلى الناس في المواسم وغيرها برغم ما يحتف بذلك من مخاطر وعداوات. وغير هذا كثير. وجملة القول: إن الشجاعة والنجدة والإقدام لم تتحقق في أروع صورها في أحدٍ من البشر إلا في رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام ، بل إنا لا نجاوز الحقيقة إذا ما قلنا: إن الشجاعة والنجدة بجميع صورها قد تحققت في شخص المصطفى ، وإنك لواجد أثر ذلك مهما قلَّبت من صفحات سيرته الشريفة ، وحسبك أن تعلم أن بعثته وما قام به فيها من جهاد وصبر ومصابرة أعظم نجدة للبشرية من وهدة الشرك والضلال. فنأمل من الكاتب مراجعة ما كتب وتصحيح ما أخطأ ، وبخاصة أن مقالاته تلقى متابعة من عدد من القراء ، كما نأمل من عموم الكتاب ألا يخوضوا في نسبة شيء للرسول إلا وهم مستصحبون الإجلال والأدب مع الرسول عليه الصلاة والسلام. ونأمل من جريدة الرياض أن تنشر هذا التوضيح في مكان مناسب ، وبخاصة أننا نعد هذه الجريدة منبراً مهماً لقيام الأمانة العامة للتعريف بالرسول ونصرته برسالتها نحو سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم. ونسأل الله لنا ولكم السداد والتوفيق. *الأمين العام المساعد للهيئة العالمية للتعريف بالرسول ونصرته