للمرة الثانية أشيد بالتناول الواعي الذي يعالج به الدكتور إبراهيم المطرودي بعض مستويات هبوط الوعي في مجتمعنا، متمثلة أكثر فيما هي عليه مرئيات مَنْ يزعمون وجاهة التدين وهم في حاجة إلى إعادة تأهيل.. ورد موضوعه حول غياب مرئيات وظروف ومؤثرات الجيل الحاضر بمحاولات تحويل أي خلاف مع الحاضر الغربي إلى ما قاله أو تصرف به جيل الأجداد القدماء في عالمنا العربي.. هذا التحويل الذي يرسخ وجود العجز في العقل الراهن، ويسلبه من أي أهمية حضور، يتجاهل أن هذا الحاضر يتم بتصاعد أهميات علمية وفكرية واقتصادية واجتماعية هي بعيدة تماماً في أهمياتها ومؤثراتها التطويرية عما كان يعايشه جيل الأجداد القدماء، خصوصاً وأن الإسلام لم يغلق العقل العربي على مفاهيم وليس ثوابت عصر قديم، وإلا لما لمسنا في التاريخ الشخصي لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مدى تلك البراعة في تجديد التعاملات الاجتماعية، هو الذي لم يبتعد عن البداية إلا سنوات قد لا تتجاوز الثلاثين، فكيف هي الحال ونحن نأتي في بداية القرن الخامس عشر إسلامياً.. هذه ناحية، والأخرى أن أولئك الأجداد الذين برزوا فقهياً إنما كانوا في الحاضرات العربية المرموقة آنذاك وليسوا في الجزيرة العربية التي عاشت إهمالاً متواصلاً من قبل العاصمتين دمشق وبغداد في العصرين الأموي والعباسي، وكذا أيضاً العثماني، في الوقت الذي نجد عواصم الدول الإسلامية تعيش انفتاحاً لا تقتصر فيه فقط على مفاهيم الماضي، وعلى سبيل المثال النوعية الواعية التي يعالج بها علماء الأزهر البارزون تناقضات الحاضر، وفيهم من أكمل ثقافته العليا عبر جامعات مرموقة في فرنسا وبريطانيا، حيث الثفافة انتشار عالمي وليست محدودات إقليمية.. نحن الأحوج اجتماعياً إلى الانفتاح الواعي الذي يفيد الإسلام ويقدم إيجابياته الإنسانية العديدة في التعامل مع المرأة أو الفنون النزيهة، أو علاقته مع مَنْ هو غير مسلم، حيث الإسلام لا يجيز مبدأ أي عدوان ضد ديانة ما لم يكن ذلك دفاعاً عن الذات، وهو ما أقره الخليفة عمر بن عبدالعزيز بكبحه لمبدأ الجهاد المطلق..