في الصيف يكون مزاج الناس مُعتكراً كحال الطقس الصحراوي بل قد يكون في أضعف حالات لياقته حسب تعبير أهل كُرة القدم. درجة تقبّل الناس للكلام والأفكار ليست كالمعتاد حتى ولو كانت مجرد سوالف عادية أو حتى نُكت. لهذا سأحاول فيما تبقى من أيام هذا الصيف أن أخرج معكم إلى شواطئ الأفكار المفتوحة وواحات الأحاديث الخفيفة ولننس أوجاعنا وهمومنا مؤقتا لعل قادم الأيام تكون أكثر إشراقاً. سأتحدث اليوم عن نمط أخلاقي عالي القيمة لا يمارسهُ إلاّ أصحاب الهمم الشامخة إنّهُ التسامح والعفو. تقول العرب أحسن الجود عفو بعد المقدرة. نعم حين يجد الإنسان نفسه قادراً على التسامح والعفو فيقوم بذلك بكل عزّة وإنسانية فهذا هو الشموخ بل القوّة الحقيقية. إن المُسيء إذا جاريته أبداً بفعله زدتهُ في غيّه شططا العفو أحسن ما يُجزى المُسيء به يُهينه أو يُريه أنه سقطا لو كل من أساء إلينا جاريناه في سوء أفعاله لامتلأت الدنيا بالشر والأشرار. يقول لي أحد الأصدقاء إن أحد معارفه قد أساء إليه في يومٍ فتجاهل الصديق الإساءة ولم يرد عليه بمثلها ودارت الأيام وإذا بالمسيء يحتاج إلى صديقي في أمرٍ لا مناص من طلبه منه بالذات. كان المسيء مرعوباً أن يتشفى صاحبنا منه لكنهُ بالعكس جازاه بكل إحسان حتى بكى من حرج موقفه وما لحق بهِ من إهانة بسبب كرم صاحبنا. ولعل عفو ملك هذه البلاد الفارس العربي الشهم عبدالله بن عبدالعزيز عن زبانية العقيد صاحب (زنقة زنقة) المزنوق الآن في جحره وهم قد دبروا جريمتهم التي استهدفت موكبه أكبر مثالاً في عصرنا الحاضر عن العفو عند المقدرة بسبب صدوره من رجل عظيم اُشتهر بأخلاق الفرسان النبلاء. الوزير المُنشق عن العقيد قد اعترف لوسائل الإعلام بكل وضوح بتلك الجريمة القذرة. العجيب أن يُدبّر العقيد المزنوق هذه المكيدة بعد أن بذلت بلادنا جهوداً جبّارة مع المناضل نيلسون مانديلا لرفع الحصار عن بلاده بعد أن نفذ رجال مخابراته إسقاط طائرة (بان أمريكان) فوق بلدة لوكيربي الاسكتلندية. قيل بأن لذّة العفو أطيب من لذّة التشفي لأن لذّة العفو يلحقها حمد العاقبة ولذة التشفي يلحقها ذم الندم.