أكد وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي أن الآراء التي تشير إلى شح البترول والأزمات الاقتصادية التي قد تصاحبه لا تستند إلى أي أساس علمي. وقال خلال ندوة التعاون والعلاقات البترولية بين المملكة والولايات المتحدة التي عقدت أمس في واشنطن، أن العولمة تبشر برفع مستوى المعيشة لشعوب العالم، غير أن تحقيق المزيد من الرفاهية سيحتاج إلى مصادر طاقة موثوقة وبأسعار معقولة. ولذا يواجهنا نحن العاملين في مجال إنتاج التحدي المتمثل في توفير الكميات الضخمة المطلوبة لتلبية طموحات شعوب العالم. وهو تحد أعتقد أننا قادرون على مواجهته، ولا أقصد بذلك أننا لن نواجه مصاعب فمعظم الخبراء يعتقدون أن اعتماد العالم على المواد الهيدروكربونية السائلة أمر لن يتغير كثيراً على مدى السنوات الثلاثين المقبلة، أي أن على صناعة البترول أن تكون على أهبة الاستعداد لأن تطور وترفع طاقتها الإنتاجية بشكل كبير من أجل تلبية احتياجات السوق خلال السنوات القادمة. فشعوب العالم لا تحتاج إلى المزيد من الطاقة فحسب، وانما ترغب أن تكون هذه الطاقة أفضل من الناحية البيئية. ومع أن صناعة البترول لديها هي الاخرى الرغبة في المحافظة على نظافة البيئة، إلا أن مهمتنا تزداد تعقيداً بسبب زيادة التعقيدات التنظيمية، حيث أدى تنوع المتطلبات وغياب التنسيق وعدم الاتفاق على آراء موحدة إلى ظهور عدد كبير من مواصفات المنتجات التي أسهمت بدورها في تقسيم الاسواق الجغرافية الطبيعية إلى أسواق فرعية. وساعد ذلك على خفض مرونة النظام الذي يحكم الاسواق، وأدى إلى خلق أوضاع تجعل ميزان العرض والطلب لبعض المناطق المحدودة يأخذ حجماً أكبر من اللازم.. مما ادى إلى التأثير على مستويات الأسعار العالمية. وأشار إلى أن المعارضة الشعبية لانشاء مصافي ومحطات الكهرباء وخطوط الانابيب والفرض وغيرها من المرافق تحد من قدرة صناعة البترول على توصيل المنتجات الضرورية لتلبية احتياجات الاقتصاد. وقال انه من الواضح أن فترة الأسعار المنخفضة التي امتدت من منتصف الثمانينات إلى اواخر التسعينات جعلت المستثمرين يتوجهون إلى قطاعات اخرى فيها فرص لتحقيق عوائد أفضل، حيث كان الاعتقاد السائد هو أن السعر القابل للاستمرار على المدى البعيد يتراوح مابين 10 إلى 15 دولاراً للبرميل، وهو سعر ليس جاذباً بما يكفي لضمان استمرار تدفق رؤوس الاموال في صناعة الطاقة، مما أدى إلى قصور في البنية الأساسية لإنتاج الطاقة وعجزها عن تلبية الطلب المستقبلي. وقد تغيرت أسواق البترول كثيراً على مدى السنوات العشرين الماضية، وأصبح البترول في يومنا هذا يباع ويشترى في سوق حرة ذات نطاق عالمي، فيها مشاركون أكثر عدداً وتنوعاً مما شهدته في أي فترة سابقة من تاريخها. ولكون البترول سلعة تتأثر بوضع الطلب في أية بقعة من العالم، فإن أي ارتباك تشهده الامدادات في أي مكان سيؤثر على جميع المستهلكين بصرف النظر عن مصادر وارداتهم، تماماً كما تؤثر أية تطورات تشهدها أية دولة مستهلكة في العالم على جميع المنتجين. وقد شهدت صناعة البترول خلال الفترة من منتصف الثمانينات حتى نهاية القرن الماضي طاقة فائضة في إنتاج البترول وتكريره وتسويقه، الأمر الذي أبقى الأسعار في مستويات متدنية وأسهم في الاعتقاد بأن المرافق والبنية الأساسية القائمة كافية لتلبية الاحتياجات في المستقبل. وقد بلغت مرحلة الطاقة الإنتاجية الفائضة هذه نهايتها، إذ أصبح فائض الطاقة خارج المملكة متدنياً لدرجة كبيرة، كما أن طاقة إنتاج معامل التكرير عالمياً ليست كافية ولا تتماشى مع نوعية البترول الخام الذي ينتج. وقد أفرز ذلك انطباعاً عاماً بشح المعروض في الأسواق وأسهم في رفع الأسعار. غير أنني اعتقد أن رفع الطاقة الإنتاجية وطاقة المصافي على مستوى العالم على مدى السنوات القادمة سيقلل من حدة المخاوف الحالية. وأكد أن احتياطيات المملكة العربية السعودية وافرة، وأننا على أهبة الاستعداد لزيادة إنتاجنا حسبما تحتاجه السوق. فقد بنينا على مدى السنوات الستين الماضية سمعة لا مثيل لها من حيث الموثوقية، وفيما يتعلق بنظرتنا للمستقبل، فإن رسالتنا تتمثل في أن نظل أفضل موردي البترول ثقة في العالم. ولقد عرفنا كمنتجين مضار الأسعار المنخفضة على الطاقة الإنتاجية، وانه يجب أن توفر الأسعار عوائداً مناسبة للصناعة إذا أردنا للعرض أن يواكب الطلب، وإلا فإن ذلك لن يكون في مصلحة المستهلكين على المدى البعيد. ولكننا أيضاً ندرك تماماً أن الاقتصاد العالمي يتضرر عندما ترتفع الأسعار أكثر من اللازم، وعندما يتباطأ الاقتصاد العالمي فإن لهذا اضراره السلبية على المنتجين. ولذلك فإن الأسعار المرتفعة للغاية أو غير المستقرة ليست في صالح المنتجين. وهناك اعتقاد شائع بأن هناك تعارضاً بين مصالح المنتجين والمستهلكين، وان فرص الاتفاق بينهم محدودة. غير انني أرفض هذا الرأي، فالمنتجون والمستهلكون لديهم مصلحة مشتركة في استقرار الأسواق، كما أن التطورات التي شهدتها السنوات العديدة الماضية تذكرنا بمخاطر التساهل فيما يتعلق بامدادات الطاقة وموثوقيتها، ولذا فمن الضروري ان توفر الأسواق حوافز مجزية لصناعة البترول وأن لا تضر، في الوقت نفسه، الاقتصاد العالمي. كما أن مجرد زيادة طاقة انتاج البترول الخام وحدها لا تكفي لضمان توفر وموثوقية الامدادات لتلبية احتياجات النمو المستقبلي في الاقتصاد العالمي، وإنما يتعين علينا أيضاً ان نتناول مسائل هامة أخرى تؤثر على قدرة صناعة البترول على توصيل المنتجات التي يحتاجها المستهلكون وهذا يشمل على سبيل المثال نقص طاقة انتاج المصافي العالمية، وصعوبة انشاء مراف مساندة جديدة، والتطورات السياسية والقلاقل، وشفافية الأسواق، والمواصفات الخاصة بالمنتجات المكررة وغيرها. ولمواجهة التحديات التي ينطوي عليها المستقبل المشترك في مجال الطاقة، فإننا نحتاج إلى اتباع منهجية متعددة الأبعاد تتضمن اجراءات من قبل كل من المستهلكين والمنتجين، وتتضمن عناصرها: زيادة طاقة انتاج البترول: وقد اتخذت المملكة بالفعل خطوات طموحة في هذا المجال وذلك لضمان استمرارية تدفق البترول إلى الأسواق، غير ان العالم يحتاج إلى طاقة انتاجية اضافية من المنتجين الآخرين، معالجة الاختناقات في التكرير والتسويق، التي تحد من مرونة الصناعة وتقلل من قدرتها على توصيل المنتجات التي يطلبها المستهلكون النهائيون، تحديث وتطوير مرافق البنية التحتية للطاقة لتلبية متطلبات المستقبل، رفع الكفاءة وترشيد الاستهلاك لضمان تحقيق أقصى استفادة ممكنة من موارد الطاقة المتاحة، رفع مستوى التعاون بين المنتجين والمستهلكين لزيادة الشفافية، مما يزيد من امكانيات تحقيق الاستقرار للسوق ويحسن القدرة على تحديد التوقعات المستقبلية على الطلب، وقد حققنا بعض التقدم بالفعل في هذا المجال من خلال تأسيس الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي في الرياض، ومن خلال المبادرة المشتركة لمعلومات البترول التي تهدف إلى رفع جودة المعلومات المتعلقة بالعرض والطلب على البترول، خاصة في الدول النامية، رفع مستوى الموارد البشرية في صناعة الطاقة من خلال توظيف وتدريب أفضل العناصر. وتتمتع أرامكو السعودية، شركتنا الوطنية، بتاريخ طويل وحافل في مجال تدريب موظفيها وتطويرهم، مما يمكنها من مواجهة تحديات الغد، تشجيع التقنيات الحديثة واستخدامها، وانني لمتفائل للغاية فيما يتعلق بالتقنيات الحديثة باعتبارها مفتاح الطاقة في المستقبل، وينبع هذا التفاؤل من ثقتي بأن الابتكارات التقنية ستساعدنا في اكتشاف واستخراج المزيد من البترول من مختلف انحاء العالم وبتكلفة أقل، وفي رفع كفاءة استهلاك الطاقة وإطالة عمر مواردنا، مع المحافظة على البيئة. وجدد الوزير السعودي تأكيده على ان بلاده تستجيب للتحديات التي تفرضها سوق البترول الحالية، واننا استناداً إلى تاريخنا الطويل المميز كأبرز موردي الطاقة في العالم، نبذل قصارى جهدنا لتحقيق الاستقرار في الأسواق والتخفيف من القيود المختلفة، وسنقوم بما هو أكثر من ذلك، وتشمل جهود المملكة في هذا الاطار تلبية الاحتياجات الحالية لعملائنا من خلال بيع كميات اضافية من البترول الخام حسب الحاجة، وزيادة طاقتنا الانتاجية لتلبية الطلب المستقبلي والاحتفاظ بطاقة انتاجية فائضة، والعمل على بناء مصاف للبترول جديدة وتوسعة وتحسين مصافينا داخل المملكة وخارجها وتعزيز البنية التحتية لدينا، وتحديث أسطول ناقلات البترول الخام العائد لشركة فيلا السعودية، والاستثمار في التقنيات الجديدة في مختلف قطاعات الصناعات البترولية. غير ان تلبية احتياجات العالم المستقبلية من الطاقة تتطلب عملاً جماعياً، فهناك العديد من العقبات التي تواجه جهودنا، منتجين ومستهلكين، لتحقيق استقرار الأسعار وتوازن السوق، منها تعدد مواصفات المنتجات، والعدد الكبير من الأنظمة، والاختناقات التي تواجهها مرافق البنية التحتية، وعدم توفر المعلومات الدقيقة المطلوبة لتحسين الشفافية في الأسواق في الوقت المناسب. وتبذل المملكة جهوداً على الصعيد الدولي لإيضاح ومعالجة هذه المسائل ورفع مستوى الشفافية والتعاون بين المنتجين والمستهلكين. وانني اعتقد ان الحوار، مثل هذا الذي نجريه اليوم، إنما هو خطوة مهمة على درب مستقبل أكثر اشراقاً في مجال الطاقة وانني لأتطلع إلى العمل مع معالي الوزير السيد بودمان لتحقيق مصالحنا المشتركة. وشدد على ان مفاتيح التحكم في مستقبل الطاقة هي في ايدينا، وان تحقيق النجاح يحتم علينا ان نتعلم من دروس الماضي، وفي الوقت نفسه ان نكون جاهزين لأن نحيد عن الممارسات السابقة عند الضرورة. فعلينا أن نشجع الأفكار والأساليب الجديدة وان نخطو بثقة عندما يتطلب الأمر.