في الصيوف الماضية (جمعت صيف على وزن ضيف) كنت أستغل غياب قراء الدرجة الأولى والأفق (أهل باريس ولندن الخ). أستغل ذلك لأكتب مقالات خفيفة تناسب قراء درجة الضيافة من أمثالي. مسكين الإنسان الضعيف وين ما يطقها عوجاء. يدفع ثمن التذاكر من جيبه والخطوط السعودية تدعي أنها مضيفته. أول مرة في تاريخ الكرم أن يدفع الضيف أجر ضيافته. لا يوجد في ذهني قانون محدد لقراء درجة الضيافة المزعومة. كنت في السابق أكتب عن الجن وعن الهلال والنصر وعن قهاوي كيلو ستة أيام زمان وعن مطاعم الرز البخاري والمقلقل والفول أيضا. كنت أستطيع أن أتنبأ بما يريده هؤلاء. كانت معلوماتي عنهم واضحة ونقية. أعرف على سبيل المثال أن معظمهم يسكن الجرادية, حلة القصمان, حلة العبيد, المرقب سكيك شارع العطايف وأم سليم ودوار سلام وحوطة خالد وأنت ماشي. كنت أضع كل ما يناسبهم تحت عنوان (من لغو الصيف). أخذت هذا العنوان من أحد كتب طه حسين. اهتزت معرفتي بهم بالتدريج وبدأت تتداخل مع بشر من عوالم أخرى. في عامنا هذا والعام الماضي لم أكتب أي شيء تحت عنوان من لغو الصيف. نسيت هذا العنوان ونسيت صاحبه بيد أني لم انس أعزائي ركاب درجة الضيافة. معنى الصيف تغير في حياتي. تعريف الصيف في مدينة الرياض يختلف عن تعريفه في مدينة تورنتو الكندية. لا يخفى عليكم السبب. فرق كبير بين ثلاثين درجة مئوية وسبعة وأربعين. هذا لا يعني أن تورنتو لا يداهمها الحر. في بعض الأحيان لا يمكن أن تنام مرتاحا دون مكيف ولا تستطيب الجلوس في الحدائق. بصراحة حرّها في بعض الأحيان يستطاب. هناك تناسب عكسي بين كمية الملابس ودرجة الحرارة. إذا زادت الحرارة تخفف الناس وخاصة النساء من ملابسهن. حتى أنا صرت ألبس شورت وأتجول على الشواطئ سامحا لحسنوات تورنتو المتشمسات على ضفاف البحيرة التمتع بالتفرج على سيقاني. الإنسان سبحان الله سرعان ما يتكيف مع واقعه. يكاد ينسى تاريخه. طفشت من حر تورنتو الهين اللين وكأني لم أعش في الرياض أبدا. منذ ولادتي حتى بلغت العشرين من العمر لم أنم تحت مكيف ولا أعرف كيف ينام الناس تحته. في بعض الأحيان إذا أغمضت عيني واستلقيت على الفراش اسمع قرقعة مروحة دوانية بيتنا في حلة الداخلة شرق شارع العطايف. عظمة تلك المروحة أن قرقعتها لا تبدأ دفعة واحدة ولا تأخذ شكلا صوتيا واحدا ولا تستمر على إيقاع ثابت. لتلك القرقعة فائدة لا يمكن تخيلها. كانت تحير الذباب وتربكه فيضطر أن يخلي الدوانية مذعورا. كانت أيضا تسرع في الإغماءة التي كنا نسميها مقيال. في ذلك الزمن يسمى سكان الرياض نومهم بعد الظهر (مقيال) بينما الحقيقة خلاف ذلك تماما. لكي تعرف الحقيقة جرب أن تطفئ المكيف وأن تنام تحت مروحة. ما تظنه نوما هو شيء آخر لا علاقة له بالنوم. عندما تستيقظ ستصاب بالفزع وتسأل: من اللي خبطني على رأسي؟