كان هناك شيء رمزي في توقيت نشر تقرير مراقب الدولة - قبل أربعة ايام من يوم الاستقلال - مثلما توجد نبرة غضب في اقوال قاضي المحكمة العليا المتقاعد اليعيزر غولدبرغ عند رفع التقرير الى رئيس الكنيست، رؤوفين ريفلين. «الفساد السلطوي هو الخطر الاكبر على دولة اسرائيل، اكثر من اي خطر آخر»، حذر وكأنه يطلب هز الدولة التي تستعد لاحتفالات العام ال 57 لسيادتها، بالتحرر من تلبد الاحاسيس الذي يظللها. وبالنظر الى حقيقة ان هذا هو التقرير الأخير الذي يكتبه غولدبرغ في منصبه هذا، فإن اقواله بمثابة الوصية. عشية دخول الدولة الى السنة التي يفترض بها ان تحقق انعطافة حاسمة في تاريخها، في انها ستنسحب من غزة وشمالي السامرة وتبشر بهذا الشكل ببداية فك ارتباطها عن المناطق التي احتلتها في حرب عام 1967، بعد يوم من صدور نتائج الانتخابات للسلطات المحلية في مناطق السلطة الفلسطينية، والتي تجسد تعاظم حماس، في الاسبوع الذي يحذر فيه الجيش والمخابرات الاسرائيلية من اهتزاز حكم محمود عباس ويشيران الى الادلة على انهيار وقف اطلاق النار في الاشهر الأخيرة، فإن مراقب الدولة يجد من الصواب ان يحذر من هدم الادارة العامة ومن تسييس خدمة الدولة. ولا تنطلق اقواله كمجرد تحذير، فالرجل المنضبط هذا بدا عاصفا وهو يقرر بأنه من بين كل التهديدات التي تحدق بالدولة فإن الفساد السلطوي هو اكثرها خطورة. المراقب يعرف ما يقول، من المصدر الاول. 14 سنة جلس في المحكمة العليا والتي هي منصة ممتازة للنظر منها على انماط حياة الدولة وزعمائها. وفي السبع السنوات الأخيرة تعرف على روائح المطابخ التي تطبخ فيها الخطوات الحكومية. وهذه ايضاً نقطة مراقبة ناجعة لسلوك السلطة. والحقيقة هي ان غولدبرغ لم يكتشف اميركا. لا بالتقرير الذي نشره هذا الاسبوع ولا في تقاريره السابقة. دولة اسرائيل تعرف نفسها ولا تنفعل من المرآة التي ينصبها حيالها مراقب الدولة كل سنة. في السنوات الماضية انتقلت المطابخ السياسية الى الصالون، وقواعد اللعبة المقبولة فيها انكشفت امام ناظري الجميع. واجتاز الجمهور دورة مركزة من اعادة التثقيف وهو يقبل اليوم كأمر مسلم به بالسلوك الشخصي الاشكالي لرئيس الوزراء ونجليه، الجنايات المعزوة لوزراء، تدخل عائلات مهزوزة الاصل في مراكز القوى السلطوية، الرشوة التي بواسطتها تشترى اماكن في قوائم الاحزاب للكنيست، والتهديدات الابتزازية التي بفضلها تحصل جماعات ضغط حزبية وقطاعية على مطالبها من الحكومة والكنيست. في بداية العام ال 58 لقيامها فإن دولة اسرائيل لا تسأل نفسها اي مجتمع ابتنت. فغولدبرغ لا يكشف اموراً هامشية، فهو يعرض سلوكاً منهجياً. ونتائج بحوثه هي مجرد مقطع من الصورة الشاملة التي يقبع في اساسها الموقف المستخف بالقانون. فالمواطن الاسرائيلي لا يخشى القانون، احساسه بالاستقلال (النسبة للغالبية اليهودية) يتجسد بالاعتراف في انه في وسط شعبه يعيش وهو لا يحتاج الى ان يخاف، ولا حتى من الشرطة والقضاة. السلطة تتجاهل القانون الدولي، والفرد يستخف بالقوانين البلدية، الدولة تخلق قوانينها هي (حسب تقرير ساسون)، وقطاعات كاملة في داخلها (اصوليون، مستوطنون، بدو). العالم السفلي يستمد الالهام والتشجيع من تجاهل السلطات المسؤولة عن فرض القانون (الشرطة، النيابة العامة وكذا المحاكم) من خروقات السلطة للقانون. يوجد علاج اسرائيلي للمرض، وهو ان يعين رئيس الوزراء محامية لفحص السلوك الجنائي ظاهراً الذي يشارك فيه هو (اقامة المواقع الاستيطانية) ويتجاهل استنتاجاته، وزير الزراعة، الذي في فترة ولايته تحولت وزارته الى مصلة استخدام لاعضاء الليكود يعلن بأنه لم يساهم في مثل هذه الاعمال، الليكود يبادر الى قانون يسوغ تسييس الخدمة العامة، وفي الكنيست يلوح ميل لاختيار مراقب دولة اقل دقة من اليعيزر غولدبرغ. ٭(صحيفة هآرتس)