هل يحتاج الحي السكني لأنْ يصل الى حد الفقر لدى سكانه وفي البنية التحتية التنموية حتى يتم تنظيم العمل التطوعي او الاهتمام "غير المباشر!" به؟ أعتقد من المشاهدات المحيطة بنا أن الإجابة "نعم". فالذي يعرف بعض الأحياء مثل"معكال" أو "الفيصلية" يجد أن الأول تجمع التبرعات له في طرقات العليا، والحي الآخر موقع اهتمام دراسات وجهود الجمعيات الخيرية في شمال الرياض. هذا نموذج متكرر في المدن السعودية،تدهور في الحي يوازيه اهتمام من الجمعيات الخيرية ونزوح من السكان وعملية إحلال من غير المواطنين. ولا يعنى أن هذه "المطرسة" التنموية قاصرة على تلك الأحياء التي تغوص في التاريخ مثل "منفوحة" و"معكال" و"الدوبية" أو نتيجة لبعض العشوائية في التأسيس ، وإنما هي موجودة حتى في الأحياء الراقية في معظم المدن. فلو أخذنا بعض أحياء الرياض مثل العليا والنخيل وأشباههما لوجدنا أن فيهما شيئاً من المطرسة نتيجة غياب التكاملية في المثلث المؤسسي( العام والخاص والخيري). فغاب مركز الحي عن المسجد بعد سوء استعمال في فترة "غفلة الصحوة",والمكتبة ماتت كمشروع منذ أن اندثرت نماذج مثل المكتبة السعودية من حي دخنة. ومركز الحي في الرعاية الصحية غاب عن الحي منذ تنازل العجائز عن الذهاب "للصحية"، وأصبحت الفنادق الصحية - عفوا- العيادات الخاصة هي البديل. وفي ذات منظومة المطرسة في الحي من منكم يعرف عمدة الحي الذي يقطن فيه وهو مع الأسف مسؤول عن التعريف بسكان الحي. ويسكن هذا العمدة في قسم الشرطة الذي يذهب الشاكي اليه ويردد "ليتنا من حجنا سالمين". فهذا المركز ليس جزءاً من الحي بشكل مباشر، ولذلك أصبح على أطراف الأحياء كمركز محايد. وبقيت المدرسة هي الجزء البارز من منظومة "المطرسة" في الحي، وهي الأقرب للناس بحكم وجود الأبناء والبنات فيها, فهي فعلياً من ضمن نسيج الحي إلى أن طرأت فكرة المباني المستأجرة وظلت حلًا عصياً لأكثر من ثلاثة عقود. ولذلك فالمدرسة هي التي ستبشر بالخير لسببين رئيسين: الأول إقرار سمو وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد مشروع مدرسة الحي في (1000) مدرسة لتكون ضمن باكورة تفعيل مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام، والثاني عزم وزارة التربية والتعليم على الخلاص من المباني المستأجرة بشكل جدي وليس بالوعود فقط. ومن هنا أعتقد ان تحريك مشروع مدرسة الحي سيكون البداية الحقيقية لعودة منظومة العمل التنموي المشترك بين الأهالي وأضلاع المثلث المؤسسي . ولكي تخرج مدرسة الحي من عنق زجاجة "مطرسة الحي" الحالية لابد أن يكون برنامج العمل فيها واضحاً، وليس ارتجاليا كما حدث مع جائزة التميز التربوية وما لحقها من انتقاد. وأن تكون المدارس المنتقاة فعلًا مهيأة لتقديم العمل التكاملي داخل الحي مثل المكتبة والمعمل والملعب ومكاتب العمل التطوعي وتنمية الذائقة الادبية والفنية من خلال المناشط الترفيهية مثل المسرح المدرسي.. والمتابع للنماذج حول العالم يجد أن مدرسة الحي هي جزء من نسيج متكامل يخدم الحي وأهله، ويعرف من يقوم عليه من خلال علاقة أولية وليس من خلال وصاية مؤسسية او تنفيع بانتداب وقطع إجازة صيفية وغيرها من حيل توظيف الأبناء في الصيف. يضاف الى ذلك ان عبء مدرسة الحي يجب أن لا يقع على كاهل الدولة فقط وإنما على القطاع الخاص المستفيد المباشر من الحي ان يقدم الكثير لهذا الحي. وعلينا أيضا الانفتاح على الآخر كما نؤمن ببرنامج خادم الحرمين للحوار بين الثقافات . ففي أحياء بعض مدننا بعض مدارس الجاليات التي يمكن ان تعكس تنوعا ثقافيا يثري ويعزز التنافس لدى مدرسة الحي المحلية ويقلل "مطرسة" الفكر الأحادي لدى بعض من يقوم عليها. ولعلنا نستفيد من تجارب مدارس الجاليات الإسلامية ودورها في الأحياء في المدن البريطانية والأمريكية والاسترالية وغيرها. بل ولا ننسى تجارب الأكاديميات والمدارس السعودية حول العالم. ومن معرفتي الشخصية بأكاديمية الملك فهد في لندن أنها قدمت العديد من المناشط التي لم تؤثر في الحي فقط وإنما رفعت من قيمة العقار في منطقة اكتون المحيطة بها..