عبدالمجيد عبدالله.. ابن قرية العارضة.. طفل الهنداوية.. الشاب الذي ترعرع ونشأ في جدة. تعلم الفن الأصيل والضارب في جذور الأرض.. حفظ وتغنى بأعمال عمالقة الطرب: عبدالوهاب، عبدالحليم، فيروز، طلال مداح، محمد عبده. راهن عليه إبراهيم خفاجي وطاهر حسين وسامي إحسان وانطلق بالفن الحجازي الأصيل: سيد أهلي ومن فينا ياهل ترى وغيرها من الأغنيات الجميلة والأصيلة التي أطلقته عملاقاً منذ البداية وصوتاً عذباً شجياً لايجاريه في جماله وعذوبته أحد. خاض تجربة مع بدر الأغنية السعودية ومهندسها في آه يا رياض، تخيل، علمتني، طفلة وطفل وغيرها، ثم دخل في مشوار مع خالد الشيخ في (مرحلة تجريب فني) مبكر لم تشهد سوى (تراجع عبدالمجيد). بعدها تحول إلى مرحلة أخرى تمثلت في خط جديد يرتكز على اللون الخفيف والجملة البسيطة بغية الوصول إلى أكبر مساحة انتشار في الوطن العربي وقاد هذه المرحلة الملحن صالح الشهري ثم مشعل العروج وكُتاب الأغنية على الفضلي وساهر.. أفرزت هذه المرحلة الأغنية الخفيفة الوزن والقيمة، التي جعلت عبدالمجيد يمر بمرحلة باهتة لايزال يعيش في أجوائها حتى الآن. قصائد وكلمات خالد الفيصل وبدر بن عبدالمحسن وسعود بن عبدالله وأسير الشوق وطلال الرشيد ومساعد الرشيدي ونايف صقر وخالد المريخي وهتان وألحان عبدالرب إدريس وأصيل أبوبكر.. كل هذه الأسماء شكلت في تعاونها منعطفاً مهماً في مسيرة عبدالمجيد لكنها بكل أسف مرحله عابرة لم تؤثر كثيراً في ظل توجه وقناعات عبدالمجيد الذي كان يزداد تمسكاً واصراراً بهذه القناعات وكانت محصلتها ألبوماته في الأعوام الخمسة الأخيرة التي لم تقدم سوى الدليل الراسخ على مزاجية عبدالمجيد وفهمه الخاطئ (بكل أسف) للكلمة والأغنية والتي لايراها سوى مطلع مختلف أو جملة موسيقية غريبة. الحب الجديد.. والدليل الجديد دليل جديد يقدمه عبدالمجيد يؤكد ما ذكرناه في المدخل عن مزاجية وعن فهم وقناعات هذا الفنان الكبير، هذه القناعات وهذا الشطط الفني جعل عبدالمجيد يؤجل طرح شريطه أكثر من مرة ويبعد بعض الأعمال ويستبدلها بأخرى كما أدرج أعمالاً جديدة لم تكن أساساً في الألبوم.. وهذا يؤكد أن فناننا الجميل يعيش في دوامة من الأرق والتوتر الفني الذي انعكس واضحاً على إنتاجه الجديد وعلى علاقته مع الإعلام بمختلف وسائله. (14) أغنية قدمتها روتانا عبر ألبوم عبدالمجيد بدأت بالحب الجديد من كلمات وألحان عبدالقادر الكاف، وهذه الأغنية التي كانت عنوان الألبوم لم تحمل أي شئ سوى إنها أضافت اسماً جديداً لقائمة شعراء عبدالمجيد (إن صحت التسمية) رغم أن هناك من يقول إن الكلمات في معظمها قديمة ومعروفة. ٭ أربعة أعمال من كلمات تركي وألحان طارق محمد هي (تمنيت، عديم الشوق، ما أذكر متى، لين شافوني) وهنا أتساءل (بكل براءة) هل هذه الأعمال بمستوى ماقدمه (تركي وطارق محمد) لذكرى وأنغام وما قدمه لفنان العرب محمد عبده (ما عاد بدري) أم أن قناعة عبدالمجيد تدخلت في الكتابة وفي اللحن لتصب في النهاية في سياق ما يقدمه عبدالمجيد بعيداً عن ما تمناه وتوقعه عشاق (صوت) عبدالمجيد الذين كانوا يرون في لون وخط ونكهة قصائد تركي وألحان طارق محمد (الذي يلحن بنفس روح الشعرية لتركي) مايشكل خروجاً عن دائرة اختيارات عبدالمجيد في الأعوام الأخيرة لا رافداً ومعززاً لها بشكل غريب ومفاجىء؟! وهنا أتذكر مقولة لأحد الأصدقاء أن عبدالمجيد يمعن النظر طويلاً ويدخل في حيرة كبيرة حين يكون بصدد اختيار لحن أو نص فيستعرض كل ما يجده لدى الجميع ليقع اختياره في النهاية على الأكثر سوءاً.! ٭ ثلاثة أعمال من كلمات (شاعر) هي تحسبين واكحل العين وغنوا لحبيبي وهي من الأعمال الشبابية الخفيفة التي تناسب راشد الفارس أو عباس إبراهيم لكنها أبداً لاتخدم صوت عبدالمجيد.. وعلى سبيل المثال كلمة (همي) في أغنية تحسبين كسرت البيت وكان من الأنسب أن يستبدلها بكلمة (همومي). ٭ سمعني غنية.. كلمات وألحان مروان خوري، وعبدالمجيد من عشاق ومحبي الأغنية والكلمة اللبنانية، وكان بحاجة إلى خوض هذه التجربة التي من الصعب الحكم عليها الآن مع أن أصداءها في لبنان جيدة ويكفي أن الفنان زياد الرحباني أثنى على التجربة التي ظهر فيها عبدالمجيد متشبعاً باللون اللبناني ولديه مخزون سماعي كبير في هذا اللون. ٭ قول آمين.. كلمات وألحان الأخوان أبو دله.. أغنية خفيفة سريعة الإيقاع وسهلة الكلمة تعتمد على المطلع أكثر من متن وصلب الأغنية من الداخل في سياق ما يقدمه الأخوان أبو دله من أعمال شبابية خفيفة هي بالتأكيد لاتناسب جماليات وإمكانيات وتجربة فنان بحجم عبدالمجيد عبدالله. ٭ ياحبيب الروح.. من كلمات الناصر والحان ممدوح سيف ولاجديد في (معظم) أعمال الناصر مع جميع المطربين كالماء بلا لون ولا طعم ولا رائحة. ٭ ثلاث أيام.. كلمات فزاع والحان فائز السعيد.. أشعر بأنها أعدت أو تناسب ميحد حمد أو الجسمي أكثر من عبدالمجيد، لم تخدم عبدالمجيد ولم تضف له أي شيء.. تشابه وتطابق عنوان ومطلع الأغنية مع أغنية محمد عبده الشهيرة (ثلاث أيام) لايخدمها بالتأكيد. ٭ ما كان الفراق.. كلمات فيصل بن خالد بن سلطان والحان رابح صقر تعد من أجمل القصائد النبطية في الألبوم.. تعامل معها رابح صقر لحنياً بشكل عادي ومجرد من أي جملة لحنية ذات قيمة. ٭ هدوء.. كلمات محمد عبدالرحمن وألحان صالح الشهري.. جاءت في الترتيب ما قبل الأخير في أعمال الألبوم إلا إنها في رأيي من أجمل الأغاني وأكثرها عذوبة ورقة، بل أستطيع القول بأنها أنقذت عبدالمجيد إلى حد كبير في شريط (الحب الجديد) رغم أنها لم تخدم كما خدمت بقية أعمال الألبوم من (الشعراء المنتجين!!) ومن الشركة المنتجة لكنها الأكثر قبولاً وتأثيراً لدى محبي صوت عبدالمجيد.. تميزت هذه الأغنية بالشكل الغنائي في كتابتها مما أعطاها مجالاً أرحب في تنويع الجملة اللحنية، كما امتازت بالكلمة الحزينة والجميلة في نفس الوقت .. صورة معبرة.. إحساس عال.. تساؤلات كلها شجن وعذوبة.. (ما بقالي أنا.. إلا أنا). الغريب أن هذه الأغنية هي الوحيدة من إلحان صالح الشهري الملحن المفضل لعبدالمجيد ورفيق المسيرة والدرب. ختاماً.. يظل كل ماطرحناه في هذه القراءة النقدية لايمثل سوى رأي محب ومتابع لمسيرة الفنان الكبير عبدالمجيد عبدالله الذي نتمنى أن يقدم من الأعمال مايناسب إمكانياته ومكانته الكبيرة على مستوى الوطن العربي.