أكد الدكتور ناصر السعيدي أستاذ مساعد جامعة أم القرى، عضو مجلس إدارة نادي مكة الثقافي في رؤية تحليلية لعمل «عند المرسى « للتشكيلية الدكتورة منال الرويشد أن المتأمل في العمل يلحظ الثنائية المشتركة في التزاوج الدلالي بين الشخوص والأجساد المشكلة في لوحاتها، حتى وهي تشكل لوحة التعبير عن الخوف كما لوحة «لحظة فزع» حرصت على إخفاء الملامح وإظهار كلتا اليدين في ردة فعل نفسية رهيبة مفزعة لا نكاد نجدها في Evil Dead أشهر أفلام الرعب الأمريكي في أواسط السبعينات الميلادية. البعد الخيالي في أعمال الدكتورة الرويشد يأخذ عدة اتجاهات الفنانة حرصت على إخفاء الملامح الشكلية للكائنات وأضاف الدكتور السعيدي: أن ثنائية التزاوج تقابلها ثنائية التضاد في اللوحات الجماعية ويبدو ذلك جليا في لوحتها الرقمية المعروضة في برج الفيصلية لصالح مؤسسة الملك فيصل الخيرية المعنونة ب (عند المرسى) التي يبدو فيها حرص الفنانة على إخفاء الملامح الشكلية ليس للكائنات فحسب، بل وللمظاهر الكونية أيضا، وحرصها على إبراز ثنائيات التضاد في الألوان: البياض والسواد، وفي الحالات النفسية الدالة: السعادة والحزن، والنظر في الاتجاهات بين اليمن والشمال، وفي الكون بين: السماء والأرض. يقول الدكتور السعيدي التي تتمثل قراءاته الفنية لعمل (عند المرسى) من ناحية وصف اللوحة وعناصرها:» تعتبر الأرضية السوداء التي تنبثق منها الأشباح المتطلعة إلى الفضاء.. إلى الأفق.. إلى المستقبل.. إلي المجهول .. حيت لا يبدو في الأفق شمس ولا قمر ولا سحاب ولا نجوم .. مصير مجهول ومرعب في الوقت نفسه ينتظر هذه الأشباح المتولدة من الأرض»، ويضيف:» من هنا حرصت الفنانة على ذوبان أرجل الأشباح في الأرض، لتعود من حيث أتت، فالعالم الخارجي لا يوحي بشيء من الأمل والأمن، فاليأس والخوف يسيطران على هذه الأشباح الأرضية المتطلعة للسماء والأفق، يقابل ذلك عالم متمثل في أشباح بيضاء.. وتتقاذفها الأمواج إلى الشاطئ؛ أما الأمواج تأخذ أربعة أشكال: الأفق – الإعصار – لمعة البرق – جذور شجرة معترضة». ويضيف:»من خلالها تبدو الأشباح البيضاء (22شبحاً )في حزمة (11) إحدى عشر زوجا ، زوج منها يختفي في العاصفة، ويبقى (20)عشرون شبحا أبيضا في مقابل (10)عشرة أشباح سوداء .(22) شبحا منها على امتداد جغرافي رأسي واحد يلتقي في المنتصف الأيمن يشكل 30%من مساحة اللوحة ، ويفصل سطوع الضوء الأفقي المنساب من اليمين ,بين متضادات اللوحة المتمثلة في: الأشباح الثابتة السوداء ، والأشباح المضطربة البيضاء» . أما من ناحية تحليل دلالة لوحة (عند المرسى) فيقول:»الظلال الرمزية متنوعة في هذه اللوحة, وتتدرج من الرموز البسيطة إلى الرموز المركبة إلى الرموز المعقدة إلى الرموز العميقة, وهي على التوالي: الرموز البسيطة: ترمز الأشباح السوداء إلى أناس متشائمين في نظرتهم للكون والحياة والمستقبل, ومن هنا انعكست نظراتهم على حالاتهم النفسية, فاتسمت بالسواد, بينما ترمز الأشباح البيضاء إلى أناس يملأهم التفاؤل, وينظرون إلى الدنيا بروح وثابة وثوب الأمواج, ومشرقة إشراق الضوء. وترمز جميع الأشباح الثلاثين الظاهرة في اللوحة إلى التجمهر والتطلع, ماعدا شبحين يظهران في وسط اللوحة كطيف ممتزج بثورة الموج في عناق متصل,وفي تقابل متناظر , وحديث هامس, وهنا تلقي الرومانسية بظلالها في مشهد الحب. أما الرموز المركبة فيقول أن الأشباح البيضاء ترمز إلى المتأقلمين مع الحياة المعاصرين المتكيفين مع حركتها, ومن هنا يتموجون مع حركة الأمواج, ويتحركون مع اتجاه الرياح, بينما ترمز الأشباح السوداء إلى المناوئين لأمواج التغيير,الصامدين في وجه الأحداث, ومن هنا نرى تشبث أجسادهم بالأرض في إشارة إلى تمسكهم بالقيم ومحافظتهم على المبادئ. ويرى الدكتور السعيدي أن الرموز المعقدة التي أظهرت اللوحة الأشباح البيضاء,وقد ابتلعهم الطوفان, والأشباح السوداء تنتظر المصير نفسه فهي ترمز للأساطير القديمة المتعلقة بالبحار في الحضارات القديمة، فقد كان الرومان يعتقدون بأن الأمواج جياد بيضاء تجر عربة الإله ( نبتون) بزعمهم، وكانوا يقومون بالطقوس والاحتفالات لإرضاء هذه الآلهة، وكان لليونانيين مثل هذه الاعتقادات كما كان بحارتهم يعزون سبب الدوامات البحرية إلى وجود وحش يسمونه (كاربيدس) يمتص الماء ثم يقذفه. بينما يرى أن الرموز العميقة تتمثل في ثنائية الموقف, وفي التعبير عن يوم البعث والنشور,ومحشر الثقلين,فالبشر يبعثون من باطن الأرض, والجن ينسلون من قاع المحيطات,وكل يخرج من مسكنه,وقد أذهلهم اليوم العظيم الذي جردته اللوحة من اللا مكان واللا زمان,والإيحاءات الرمزية على ذلك تتمثل في الآتي :خروج الأشباح من باطن الأرض، اختفاء ملامح الأعضاء،تمثيل الأشباح لتكوّن الأجنة في الرحم, إيذانا ببعث جديد، التصاق الجذور (الأقدام والسيقان ) بالأرض، نظرات التطلع إلى كل الاتجاهات، تلاشي الزمان وذوبان المكان، يغشاهم موج من فوقه موج، امتزاج البياض بالسواد. ومن هذا المنطلقات يؤكد الدكتور السعيدي على جودة حبكة التشكيل الجمالي,وفق الرؤيا الفنية السابقة ويضيف عدة نقاط هامة أبرزها: أن الفنانة لم تجرد هذه الأشباح من اللباس فحسب، بل عرّتها من الهوية والجنس والعمر وطول القامة ، لتفتح أفق النص كما يظهر في تشتت النظر, والتطلع للجهات الست: أمام: خلف/يمين: شمال/فوق:تحت,وآفاق الزوايا الأربع: الشمال الشرقي:والغربي/والجنوب الشرقي والغربي,لتشكل عشر منافذ بصرية, لعشرة أشباح برية,وعشرين شبحا بحريا. هذا وأشار الدكتور السعيدي خلال هذه القراءة إلى أن الفنانة حولت المتخيل الصوتي إلى محسوس بصري أو بمعنى أوضح حولت الإشارة الصوتية إلى صعقة كهربائية, تظهر مع لمعة البرق أو البياض المنساب من يمين اللوحة في اتجاه أفقي نحو المنتصف، ليكشف حالة الأشباح المضطربة ويفصل بين حالتين. وفي النهاية أكد الدكتور السعيدي إن البعد الخيالي في اعمال الدكتورة منال الرويشد يأخذ عدة اتجاهات كما في لوحة «عند المرسى»و « حب داخل الرحم» و « لحظة فزع « وهكذا الأعمال الفنية الخالدة التي كلما أمعنت النظر فيها تواردت عليك الخواطر واتسعت لديك مدى التخيل. عمل « حب داخل الرحم « عمل «لحظة فزع»