قرأتُ كتباً تتحدث عن الغرب قبل قرون. طالكم قليل منها في الأسبوع الماضي أثناء حديثي عن السحر والسحرة واحتقار النساء. قرأت في نفس الوقت وبشكل متداخل كتباً عن المستقبل. حاولت أن أشاهد أسلافهم، وأن أشاهد في الوقت نفسه أحفادهم. ما الذي سيكون عليه الغرب والعالم بالتبعية خلال المائة سنة القادمة. من طبيعة الخيال أن يقوم بتركيب محتوياته من مكونات الذاكرة. التنين مثلا حيوان متخيل بيد أنه في الواقع مركب من عدة حيوانات مفترسة معروفة في الطبيعة. عندما نترك أنفسنا نتخيل أشياء المستقبل سنربط بشكل طبيعي بين المستقبل، وبين الأدوات المتوفرة في زمننا نعدل فيها ونركب. سيكون كل شيء تطورا لما يحدث الآن. إذا عدنا إلى التقدم الذي حدث في الماضي سنجد أن هذا المنهج خاطئ وسيئ. إذا تخيل الفلاح في العصور الماضية وسيلة مستقبلية للحرث بديلة عن الثور والمحراث، سيجتهد في حدود المحراث وسيبقى الثور أساسياً. ليس ضعفاً في الخيال ولكن لأنه لم يشاهد في محيطه طاقة بديلة تحرك المحراث سوى هذا الحيوان. لكن هذا لا يعني أن الخيال محدود وغير قادر على مشاهدة المستقبل. من المتوقع مثلًا بعد ثلاثين سنة من الآن أن يختفي الكمبيوتر نهائيا. بل ستختفي كلمة كمبيوتر من قاموس اللغة الإنجليزية وبالتبعية ستختفي من قواميس اللغات الأخرى. لو راجعت الصحف السعودية والمصادر الأخرى في السنوات العشر الماضية بل الثلاثين سنة الماضية فلن تجد أن أحداً ذكر كلمة (محالة). اختفت الكلمة مع اختفاء الآلة نفسها. لن يعود اختفاء الكمبيوتر من الوجود إلى توفر بديل أفضل منه. سيصطدم وجوده مع قانون الطبيعة. هنا يأتي خيال صنع من مواد صنعت في أوروبا. العلم ونظرياته. خلال الخمسين سنة الماضية شهد الإنسان تطورا تقنيا مذهلا كان الكمبيوتر في قلب هذا التطور. يسجل قانون مورز حتمية تطور الكمبيوتر ومازال. يقول قانون مورز قوردون 1965(أحد مؤسسي شركة انتل) إن قوة الكمبيوتر تتضاعف كل ثمانية عشر شهرا. أثبت الواقع صحة هذا القانون. يصعب على كثير منا تخيل مدى التغير الذي طرأ على جهاز الكمبيوتر في السنوات الثلاث الماضية لأنه منغمس فيه ويتحرك معه كالأم التي تعيش نمو أطفالها يوماً بيوم. لكي تعرف صحة هذا القانون وسمح لك سنك قارن بين الكمبيوتر اليوم، والكمبيوتر قبل عشرين سنة وإذا سمح لك خيالك قارن بين كمبيوتر اليوم، والكمبيوتر بعد عشر سنوات. القانون الأزلي يقول لكل شيء نهاية: قانون مورز لن يستمر إلى الأبد. الكمبيوتر يعتمد في تقدمه على تصغير الترانزستورات وأي تصغير مهما تناهى لن يتجاوز الذرة. يتوقع الخبراء أن نصل إلى هذا الحاجز خلال الثلاثين سنة القادمة. شركات الطيران والمخابز والكتاب والخياطون والمستشفيات والإرهابيون . كل شيء في حياة الإنسان أصبح قائما على الكمبيوتر. ارتبط التطور الاقتصادي والاجتماعي والطبي والرياضي .. الخ بتطور الكمبيوتر. إذا توقف ترقي الكمبيوتر ستتوقف بشكل اوتوماتيكي حركة الحياة المعاصرة وتعود إلى مستوى الصفر. هذا يعني انهيار الحضارة الإنسانية عن بكرة أبيها. من سينقذ الحضارة الإنسانية؟!