يتعلم الغربيون مهارة التخطيط في سن صغيرة فالغربي يعلم طفله منذ نعومة أظفاره كيف يخطط ليحصل على أبسط مايريد، وهو يخطط لأمور أسرته من تأمين المعيشة اليومية وكيفية قضاء الإجازات إلى مستقبل تعليم الأبناء ومرحلة الشيخوخة وكبر السن، ويحرص الإنسان الغربي على كتابة وصيته والعمل على تجديدها سنوياً، بل إن كثيراً منهم يقوم بشراء قبره وبدفع تكاليف جنازته! بينما نفتقر نحن لأبجديات هذه المهارة، فقراراتنا تميل إلى العشوائية وتصرفاتنا في أغلبها ردود أفعال آنية. ومن أبسط الأمثلة كيف وأين ومتى نقضي إجازاتنا، فعندما تقترب الإجازة تعم البيت حالة من الارتباك فلا حجوزات للفنادق أوالطيران، وقد يعاني أفراد الأسرة من مجادلات لاختلافات وجهات النظر في وجهة الإجازة وطولها. هذا فيما يخص أمور الحياة البسيطة والقريبة، أما التخطيط للمستقبل وخاصة البعيد فقليل منا يعيره اهتماماً، وقراراتنا في الغالب وليدة اللحظة، فكم منا من يكتب وصيته؟! أو يفكر في تأمين مستقبل أسرته من بعده؟ هذه الثقافة تنعكس على جميع المستويات فالغرب يميلون إلى التخطيط لحياتهم على مستوى الفرد والأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتجارية والهيئات الخاصة والحكومية. فأصغر الشركات عندهم لديها وضوح في الرؤية والأهداف واستراتيجية بخطط قصيرة وطويلة المدى. حكوماتهم تخطط لمستقبل البلاد لعشرات السنين بل ولمئاتها أحياناً. ويراجعون هذه الخطط بشكل دوري لتقييم مدى صحة مسارها وتقويمها وتعديلها متى ما استدعى الأمر ذلك. ومع النمو المتسارع في هذا العصر أصبح وضع الاستراتيجيات والخطط طويلة المدى أمراً حتمياً، فالخطط الخمسية لم تعد تفي بالغرض الآن كما كانت عندما وضعت في البداية منذ السبعينات من القرن العشرين! الآن نحتاج لخطط عشرية ومئوية، نحتاج للتخطيط لمستقبل بلادنا على ضوء خطط دول العالم كلها، وأين نريد أن نكون. نحتاج للتخطيط لمستقبل أجيالنا وماذا نريد لأبنائنا أن يصبحو. نحتاج للتخطيط لتنمية مستدامة نحافظ فيها على ثرواتنا الوطنية المادي منها والمعنوي. نحتاج للتخطيط لمستقبلنا في مرحلة النفط وما بعد النفط. نريد أن نرى هذه الخطط وأن نستوعبها وأن يكون لدينا الوعي الكافي للمساهمة في وضعها والمسؤولية والدور الفاعل في تقييمها وتقويمها والحرص على تنفيذها.