كيف تصادر العقول وكيف تقمع الآراء التنويرية وعلى أي الأسس يسحق الإنسان باسم الدين. محاكم التفتيش في العصور الوسطى درس للبشرية جمعاء. دون معرفة تاريخ هؤلاء القساوسة لن نعرف شيئا عن التاريخ. تسللت قبضتهم بالتدريج حتى انتهت حديدية تمتد من حلمة ثدي المرأة الأمومي (الرمز الشيطاني في نظرهم) إلى عقول المفكرين. في عام 1184 صدر قرار بابوي بتعقب المهرطقين (المثقفين والإصلاحيين). في عام 1215 لم تطالب الكنيسة بإعدام المثقفين الذين لا يظهرون توبتهم فحسب بل حرمت على القساوسة المشاركة في الترحم عليهم اثناء المحنة. هذا القرار في الواقع أخرج المحاكم المدنية من المشاركة في محاكمة المثقفين والتنويريين وقصرها على (الاتقياء!) أعضاء محاكم التفتيش الدومنيكان والفرانسسكان. القليل منا لم يسمع بمحاكمة جاليلو واعدام جيوردانو برينو وحرق المصلح التشيكي جان هوس. من طلائع قرارات الكنيسة لحماية الإيمان من المفسدين والمهرطقين واصحاب الآراء الشاذة أن أصدرت قرارا بابويا (في القرن السادس عشر!) يحرم على الناس قراءة الكتب التي لا تجيزها الكنيسة أو رجال الدين وقد أنشأت لذلك مكتبا لمراقبة الكتب وإجازتها وإقرار الصالح منها. الطريف في الأمر أن هذا القرار لم يلغَ إلا عام 1965, أي بعد أن تعفنت قراطيسه في أقبية الكنيسة الرطبة. حسب نظرة رجال الدين يتشابه السحرة مع المثقفين في أشياء كثيرة من أهمها أن جرائمهم لا يمكن إثباتها بالأدلة المادية. كلاهما السحرة والمثقفون يتبعون الشيطان, ويهدفون إلى زعزعة العقيدة, ويرتكبون جرائمهم في السر. جريمة المثقف تحديدا قوامها الرأي. الأمر الذي لا يمكن الوصول إليه وقياسه إلا بإقرار المتهم شخصيا بالصورة التي يريدها المحقق. شكلت هذه التعقيدات مجتمعة تحديا كبيرا أمام رغبة رجال الدين الصادقة لحماية العقيدة وإنجاز مهمامهم الإلهية وأخذ البشر معهم إلى جنات النعيم صاغرين. لكن هيهات أن ينقصهم الذكاء والحيلة لاكتشاف ألاعيب المثقفين والسحرة.. اضطروا آسفين إلى إدخال التعذيب كواحدة من أهم الوسائل لانتزاع الاعتراف. ولكي لا نظلمهم علينا أن نعرف أن هذا لا يعني أن رجال الدين تخلوا عن الرحمة. قرار استخدام التعذيب لم يترك مفتوحا. صدر قرار يقنن استخدامه. يطلب أولا من الساحر أو المهرطق الاعتراف. إن اعترف أعفي من التعذيب وأعدم على الفور, وإذا رفض الاعتراف يهدد بالتعذيب فإذا اعترف في هذه المرحلة يعفى أيضا من التعذيب ويأخذ على الفور إلى المحرقة او المشنقة, أما إذا رفض الاعتراف بهاتين الوسيلتين الرحيمتين فمن يلومهم بعد كل هذه التسهيلات إذا لجأوا للتعذيب وانتزاع الاعتراف ثم الاعدام. من أهم شروط التعذيب الرحيمة أيضا عدم إراقة الدم أو التشويه أو ما يؤدي إلى القتل. كان التعذيب مقتصرا على تحطيم الأطراف أو لي الاصابع أو ربط المتهم من رأسه وتعليقه ودلدلته أو استخدام ما كان يعرف بالبوت. حذاء حديدي رهيب. في عام 1376 وجد المفتش البابوي نيكولاي ايمريك أن شروط التعذيب لا تسمح للمحقق انجاز مهتمه الإلهية على الوجه الأمثل عندئذ أصدر لائحة أجاز فيها تجاوز الشروط واستخدام كل ما يحتاجه المحقق لانتزاع الاعتراف. تخيل ما شاء لك خيالك صرخات امرأة عجوز لا ولي لها تحت رحمة هؤلاء الأشاوس. نكمل القصة السبت إن شاء الله