أعلن الرئيس السوري بشار الأسد امس أن بلاده هدف للمؤامرات بسبب جغرافيتها السياسية المهمة ومواقفها السياسية المتمسكة بمبادئها ومصالحها، متهماً فئة من أصحاب الفكر المتطرف بالقتل باسم الدين وبالتخريب والفوضى تحت عنوان الإصلاح، داعيا الذين نزحوا الى تركيا الى العودة الى ديارهم، ومشددا على ان لا حوار مع من حملوا السلاح. وقال الأسد، في كلمة ألقاها على مدرج جامعة دمشق، إنه لا يعتقد ان سورية «مرت بمرحلة لم تكن فيها هدفا لمؤامرات مختلفة قبل أو بعد الاستقلال لأسباب عديدة بعضها مرتبط بالجغرافية السياسية المهمة لسورية والبعض الآخر مرتبط بمواقفها السياسية المتمسكة بمبادئها ومصالحها». واعتبر أن «المؤامرات كالجراثيم تتكاثر في كل لحظة وكل مكان لا يمكن إبادتها وإنما يمكن العمل على تقوية المناعة في أجسادنا لصدها»، مضيفاً أن ما «رأيناه من مواقف سياسية وإعلامية ليس بحاجة للكثير من التحليل ليؤكد وجودها»، أي المؤامرات. ورأى أن مواجهة المؤامرات «لا تكون بإضاعة الوقت بالحديث عنها أو بالخوف منها بل تكون بالبحث عن نقاط الضعف الداخلية التي يمكن ان تنفذ منها وترميمها وعندها لا يكون من الأهمية بمكان الحديث عن مخطط رسم في الخارج ونفذ لاحقا في الداخل». وأضاف «ان ظهور الخلل هو الذي شجع الآخرين على محاولات التدخل لان الحل هو في معالجة مشاكلنا بأيدينا وتلافي التراكمات التي تضعف مناعتنا الوطنية». واعتبر الأسد أن ما تمر به سوريا يشكل «لحظة فاصلة في تاريخ بلدنا لحظة نريدها بإرادتنا وتصميمنا أن تكون فاصلة بين أمس مثقل بالاضطراب والألم سالت بها دماء بريئة أدمت كل سوري، وغد مفعم بالأمل في أن تعود لوطننا أجمل صور الألفة والسكينة التي طالما نعم بها على أرضية متينة من الحرية والتكافل والمشاركة». وأضاف «أيام صعبة مرت علينا دفعنا فيها ثمنا كبيرا من أمننا واستقرارنا ونمائنا من خلال محنة غير مألوفة خيمت على بلدنا أدت إلى حالات من الاضطرابات والخيبة بفعل حوادث شغب وأعمال قتل وترويع للمواطنين وتخريب للممتلكات العامة والخاصة تخللت الاحتجاجات الشعبية سقط خلالها أعداد من الشهداء سواء من المواطنين أو رجال الأمن والشرطة والقوات المسلحة وجرحت أعدادا كبيرة أخرى». وقال الرئيس السوري إن نتيجة ذلك «كانت خسارة كبيرة لأهلهم وذويهم وخسارة كبرى للوطن ولي شخصيا كانت خسارة ثقيلة واني إذ أرجو من الله سبحانه وتعالى الرحمة والمغفرة لجميع الشهداء فاني أتقدم بالتعزية لأسرهم وذويهم». وأضاف أن «المصداقية التي شكلت أساس العلاقة بيني وبين الشعب والتي بنيت على الفعل لا القول على المضمون لا الشكل هي التي بنت الثقة التي شعرت بكبرها وأهميتها خلال اللقاءات الشعبية». وحيا الأسد مواطنيه على تعلقهم بوحدتهم ووطنهم، وعلى عملهم «من أجل سلامته ويقدمون الغالي والرخيص كي يبقى قوياً». وحث على التطلع الى المستقبل «وهذا الخيار نمتلكه عندما نقرر ان نصنع المستقبل بدلا من ان تصنعه الأحداث.. عندما نسيطر عليها بدلا من ان يُسيطر علينا.. نقودها بدلا من ان تقودنا». ودعا إلى البناء على «تجربة غنية أشارت الى نقاط الخلل» واستخلاص العبر «بحيث نحول الخسائر الى أرباح فترتاح أرواح شهدائنا التي لن تكون حينئذ مجرد دماء مهدورة بل دماء ضحى بها أصحابها من اجل ان تزداد قوة ومناعة وطنهم». واعتبر أنه «من البديهي أن يكون السؤال السائد اليوم هو ما الذي يحصل ولماذا وهل هي مؤامرة ومن يقف خلفها أم هي خلل فينا فما هو الخلل وغيرها من التساؤلات الكثيرة والطبيعية في مثل هذه الظروف». وقال إن ما يحصل في الشارع له ثلاثة مكونات «الأول هو صاحب حاجة أو مطلب يريد من الدولة تلبيتها له وهذا واجب من واجبات الدولة، والثاني يمثله عدد من الخارجين على القانون والمطلوبين للعدالة بقضايا جنائية مختلفة وجدوا في مؤسسات الدولة خصما وهدفا لأنها عقبة في وجه مصالحهم غير المشروعة ولأنهم مطاردون من قبل أجهزتها». ورأى أن الفوضى بالنسبة إلى هؤلاء تشكل «فرصة ذهبية لا بد من اقتناصها من اجل بقائهم طلقاء وتعزيز أعمالهم غير القانونية». وقال إن المكون الثالث «فهو الأكثر خطورة رغم من صغر حجمه وهو يمثل أصحاب الفكر المتطرف والتكفيري الذي اختبرناه منذ عقود عندما حاول التسلل الى سورية واستطاعت ان تتخلص منه بوعي شعبها وحكمته». وأضاف الأسد أن هذا «الفكر المتطرف التكفيري» لا يختلف «عما رأيناه منذ عقود فهو نفسه وما تغير هو الأدوات والأساليب والوجوه فهذا الفكر يقبع في الزوايا المعتمة ولا يلبث ان يظهر كلما سنحت له الفرصة». واعتبر أن هذا الفكر «يقتل باسم الدين ويخرب تحت عنوان الإصلاح وينشر الفوضى باسم الحرية لذلك كان التصعيد والفوضى هما المرادف لكل خطوة إصلاحية أعلن عنها أو تم انجازها وعندما فقدت المبررات كليا كان استخدام السلاح هو الخيار الوحيد أمامهم لتنفيذ المخطط». وقال الأسد إن أصحاب هذا الفكر استخدموا «المسيرات السلمية كغطاء يختبئ تحته المسلحون وفي أحيان أخرى كانوا يقومون بالاعتداء على المدنيين والشرطة والعسكريين عبر الهجوم على المواقع والنقاط العسكرية أو عبر عمليات الاغتيال». وأضاف «ان أصحاب الفكر المتطرف شوهوا صورة الوطن خارجيا وفتحوا الأبواب بل دعوا إلى التدخل الخارجي وحاولوا بذلك إضعاف الموقف السياسي الوطني المتمسك بعودة الحقوق الوطنية كاملة». كما اتهم هذه الفئة بالعمل على «استحضار خطاب مذهبي مقيت لا ينتمي إلينا ولا ننتمي إليه ولا نرى فيه سوى التعبير عن فكر قبيح حاشى ديننا وتاريخنا وتقاليدنا ان تربط به أو تقربه وحاشى انتماؤنا الوطني والقومي والأخلاقي ان يدنس به». وقال الأسد إن الرد على «أصحاب الفكر المتطرف جاء من قبل الشعب السوري الذي هب بمجمله ليثبت مرة أخرى وعيه الوطني الذي فاق التوقعات في ظل هجمة افتراضية غير مسبوقة». وجدد القول أن «ما يحصل اليوم من قبل البعض ليس له علاقة بالتطوير والإصلاح»، واصفاً إياه بأنه «عبارة عن تخريب وكلما حصل المزيد من التخريب كلما ابتعدنا عن أهدافنا التطويرية وعن طموحاتنا». ودعا الأسد» كل شخص أو عائلة هاجرت من مدينتها إلى العودة بأسرع وقت ممكن.. وهناك من يوحي بأن الدولة ستنتقم وهذا غير صحيح فالجيش موجود من أجل خدمتهم». وقال الأسد إن «حل المشكلة سياسي لكن لا يوجد حل سياسي مع من يحمل السلاح». وختم الأسد بالقول «قدر سورية أن تصيبها الملمات ولكن قدرها أيضا أن تكون عزيزة قوية مقاومة ومنتصرة وأن تخرج من المحن أقوى بتماسك مجتمعها وبرسوخ قيمها وبتصميم شعبها الذي منحه الله الوعي والحضارة والانفتاح». يشار الى ان سوريا تشهد منذ أكثر من ثلاثة أشهر تظاهرات تطالب بالإصلاح، تقول منظمات لحقوق الإنسان انه سقط فيه مئات القتلى والجرحى من المتظاهرين وقوات الأمن. وتتهم السلطات السورية مجموعات مسلحة مرتبطة بالخارج بإطلاق النار على المتظاهرين وقوات الأمن.