بالرغم من أنه قد بقي أقل من ثلاثة أشهر عن الانفصال أحادي الجانب فإن المؤشرات كلها تشهد بأن إسرائيل تتقدم نحو تحسين علاقاتها الخارجية، ونحو تكتل وطني في إسرائيل نفسها وفوق كل شيء، نحو تحسين الوضع الأمني.. مثلاً، ستمد وزارة الدفاع جدار فصل آخر، موازياً لذلك الذي أصبح يحيط الآن بقطاع غزة من كل جوانبها، بتكلفة تقدر بمئات ملايين الشواقل.. وسيعلن عن نحو 40 كيبوتساً، وقرية زراعية وبلدة في المنطقة، عقب التحسن الحاد في وضعها، كمستوطنات خط مواجهة، مثل المستوطنات في الشمال أيام إطلاق صواريخ الكاتيوشا تماماً. ومع ذلك، فإن جوهر التأثير المبارك للانفصال سيكون، وهكذا تقدر كل الجهات الأمنية، في الضفة خاصة.. ويشارك في هذا التقدير المشجع أيضاً وزراء المجلس الوزاري المصغر، وفيهم أناس بعيدو الرؤية مثل شمعون بيرس.. «يجب علينا أن نفرض كفرض عمل»، قال ضابط كبير لعاموس هرئيل («هآرتس»، 29/4)، «إن الضفة ستبدأ في الاشتعال بعد ربع ساعة من الانفصال».. لهذا ولتخفيف حدة هذا الاشتعال يجب أن يعلن جهاز الأمن عن الحدود مع مصر منطقة عسكرية مغلقة.. وما الصلة بين الاشتعال في الضفة وطور سيناء؟ جهاز الأمن: مصر هي المصدر الرئيسي لتزويد الضفة بوسائل قتالية متقدمة، مثل المواد المتفجرة لإنتاج القذائف الصاروخية التي قد تصيب مراكز سكنية في إسرائيل، من بينها مطار بن غوريون. ويوجد ها هنا شيء غير منطقي، حتى إذا لم تمنع مصر تهريبات السلاح، وهو شيء يصعب تصديقه بإزاء نظام العلاقات الزاهر بين الدولتين، فإن من غير المقبول في الرأي حتى الآن أنه يمكن نقل وسائل كهذه، بلا عائق لمئات الكيلومترات.. وكذلك فإن حركة الفلسطينيين في إسرائيل مقيدة لذوي تصاريح خاصة.. بحسب زعم جهاز الأمن، المواطنون الإسرائيليون، ذوو الحركة الحرة، هم الذين يعملون في هذا العمل ويهربون الوسائل القتالية، من أجل اخوتهم الذين يستعدون لربع الساعة الأول بعد الانفصال.. ومن الصعب منع المواطنين الإسرائيليين أولئك، الذين يعرفون كل طريق في العربة، وفي النقب، وفي الغور وفي الضفة - ويُشغلون الجرافات أيضاً - من العمل من أجل شعبهم، الشعب الفلسطيني. إن تعريف المنطقة كمنطقة عسكرية مغلقة سيمنع هذه المركبات من الوصول إلى الحدود المصرية وستُقيد قدرة شحن كميات الاشتعال إلى الضفة الغربية.. ولكن لأن رجال جهاز الأمن هم لسبب ما من قليلي الإيمان فإنهم يوشكون على إنشاء - بالإضافة إلى الإعلان عن شريط عرضي كبير على طول الحدود المصرية كمنطقة عسكرية مغلقة وعن الجدار الجديد الثاني في غزة - جدار فصل آخر على طول مئات الكيلومترات من الحدود.. ولكن لا تكفي هذه الوسائل المبالغ فيها أيضاً.. «ذعر»، يضيف عاموس هرئيل في تقريره «يسود الجهاز الأمني (عقب) تهريب السلاح (من مصر) إلى الضفة».. ولمواجهة هذا الذعر، بالإضافة إلى المنطقة العسكرية المغلقة وجدار الفصل، يوشك الجيش الإسرائيلي على أن ينقل إلى المناطق الحدودية مع مصر قوات كبيرة، فيها مقاتلون من دوريات مختارة.. وكل ذلك، كما قيل آنفاً، على الحدود السلمية. قليلو الإيمان فقط يستطيعون إذاً مواصلة الزعم، بأن الاقتلاع سيكون عبثاً.. نظام الجدران الجديد، مع ذلك الذي أصبح قد مُدّ في الضفة، سيحيط بنا من كل اتجاه، وسنسكن، مسلحين مرتجفين - لأنه إذا لم يكن ذلك هو الأمر فلماذا توجد كل هذه الجدران، في غيتو كبير، عفواً - صغير.. غير انه في هذه المرة، على عكس الماضي الأليم الذي نتذكره اليوم، فإننا، مع كل المعاني النفسية نحو الداخل والخارج، قد اخترنا أن نحتشد فيه من غير أن تفرض علينا ظروف خارجية حقيقية ذلك، ربما لأننا نسينا بسرعة كبيرة العبر التي يرددها الجميع اليوم، أنه لا يجوز، كما يقول أبراهام شلونسكي، «النسيان حتى الجيل العاشر».