تحدثنا في العدد الماضي عن اضطراب فقدان الذاكرة، وعن الأسباب التي قد تؤدي إلى فقدان الذاكرة، وعن خصائص فقدان الذاكرة وكيفية تشخيص اضطراب الذاكرة، وكيف التفريق بين النسيان وفقدان الذاكرة كمرض يؤثر على حياة الفرد ويؤدي إلى تدهور في حياته العملية والعائلية والاجتماعية. ويجب عدم تشخيص اضطراب الذاكرة إذا كان الشخص تحت تأثير تشوش الوعي، وهناك اختبار لمعرفة ذاكرة الشخص السريعة وقدرته على التذكر، وعادة يجرى هذا الاختبار بإعطاء الشخص معلومات ثم الطلب منه إعادتها بعد بضع دقائق أو أسئلة حسابية مثل طرح الرقم 7 من 100، وطرح 7 مرة أخرى من 93 لعدة مرات لمعرفة قدرته على التركيز. هذا الاختبار قد لا يكون دليلاً على اضطراب فقدان الذاكرة، فقد يستطيع الشخص ان يجيب على المسألة الحسابية ولكنه لا يستطيع اكتساب معلومات أخرى أعطيت له ليتذكرها، إذا حدث عدم قدرة الشخص على تذكر هذا، فهذا يعني بأنه يعاني من صعوبة الانتباه والتركيز أكثر من اضطراب فقدان الذاكرة. كذلك لا يمكن تشخيص المريض بفقدان الذاكرة إذا كان لديه اضطرابات في القدرات الذهنية (Cognitive Functions) مثل عدم القدرة على الكلام أو اضطراب في الحركة يجعله لا يستطيع التحكم في حركته بحيث يستطيع ان يقوم بحركة ذات هدف محدد وتعرف هذه الظاهرة طبياً ب (Apraxia)، كذلك لا يمكن تشخيص المريض بأنه يعاني من اضطراب الحركة إذا كان يعاني من عدم القدرة على الفهم أو التمييز بين الأنواع المختلفة من المنبهات (الأشياء التي تثير الانتباه)، ويعرف هذا طبياً ب (Agnosia)، كذلك لا يمكن تشخيص المرء بأنه يعاني من فقدان الذاكرة إذا كان يعاني من اضطراب في الوظائف التنفيذية، لأن الأخيرة هي عرض من أعراض العتة (الخرف، Dementia). حياة العامة إن تأثير اضطراب فقدان الذاكرة قد يكون شديداً، لدرجة ان الشخص الذي يعاني من هذا الاضطراب يتأثر بشكل كبير في حياته العامة، لدرجة ان المريض بهذا الاضطراب يجب ان يكون هناك من يشرف عليه حتى يتم التأكد من انه يتغذى بصورة جيدة وكذلك ان يعتنى به من جميع جوانب الحياة كالنظافة والاعتناء بالنفس من ناحية حماية الشخص نفسه من المخاطر أو الاستغلال. الخصائص التي تترافق مع اضطراب فقدان الذاكرة عادة ما يسبق اضطراب فقدان الذاكرة أعراض مرضية مثل التشوش (اضطراب في الوعي) وكذلك اللخبطة وعدم تمييز الوقت والأشياء والذي يعرف طبياً ب (disorientation)، وكذلك عدم القدرة على التركيز والانتباه، وهذه الأعراض قد تجعل المعالجين يتوقعون بأن الشخص يعاني من حالة اضطراب الوعي المعروف طبياً ب (delirium) مثل فقدان الوعي نتيجة نقص مادة الثيامين. محاولة الشخص ملأ فراغ الذاكرة المفقودة عنده بأشياء غير صحيحة ومختلقة والذي يعرف طبياً ب (confabulation)، وهذا يكون في بداية الأمر في اضطراب فقدان الذاكرة ثم يضمحل بعد مرور الوقت، لذلك من المهم جداً أخذ معلومات دقيقة عن حالة المريض من الأهل والأشخاص المقربين من الشخص الذي يتوقع عنده اضطراب فقدان الذاكرة. إذا كان اضطراب فقدان الذاكرة شديداً فإنه يجعل الشخص يفقد الذاكرة بالنسبة للأماكن والأوقات، لذلك من السهل عليه ان يتوه أو يخرج من المنزل في أوقات غير مناسبة، لكنه لا يفقد معرفة هويته، كما هو الحال في الزهايمر والعتة (الخرف). الأشخاص الذين يعانون من اضطراب فقدان الذاكرة بصورة شديدة، لا يعترفون بذلك وإنما ينكرون ذلك ويكابرون رغم كل الدلائل التي تشير إلى هذا الفقدان والضعف الشديد للذاكرة. عدم الاستبصار هذا وعدم الاعتراف بفقدان الذاكرة يجعل الشخص يتهم الآخرين بأمور غير صحيحة وغير جيدة، وربما أصبح متوتراً وينتابه أحياناً بعض العنف! ثمة أشخاص يعترفون بضعف ذاكرتهم ولكنهم لا يهتمون بذلك، ولا يسبب لهم ذلك أي ضيق أو حرج. هناك بعض الصفات التي نجدها في الأشخاص الذين يعانون من فقدان الذاكرة، مثل تبلد العواطف، عدم الاهتمام بالأشياء المحيطة بهم، ليس لديهم أي قابلية لفعل أي شيء، فهم كسالى ولا يتحفزون لفعل أي شيء كان! وكذلك يلاحظ تغيير تام في شخصياتهم.. فالشخص الذي كان معروفاً بحرارة علاقاته بالناس تجده، بارداً، جامداً عندما يقابل من كان يقفز من الفرح عند رؤيتهم، وهذا قد يعطي انطباعاً سيئاً عن الشخص خاصة إذا لم يكن الآخرون يعرفون طبيعة المرض، وربما قاد هذا إلى رد فعل سلبي تجاه المريض من قبل الأشخاص الذين لا يعرفون المرض ولا تأثيره على شخصية المريض! أيضاً يصبح هؤلاء المرضى سطحيين في تفكيرهم وغير ودودين في مقابلاتهم للآخرين، ويتقبلون الآراء ويقرونها بسرعة ولكن دون ابداء أي مشاعر تجاه من يتحدثون معه أو من يقرونه على آرائه!! هناك مقاييس نفسية عصبية (Neuropsychological tests) تستطيع المساعدة في تحديد مكان الإصابة في الدماغ، إذا كان الاضطراب ناتج عن إصابة في الرأس، وكذلك يستطيع تحديد إمكانية العلاج، فإمكانية التعرف على الأماكن والأشياء والشخصيات العامة، أمر يختلف من شخص لآخر ومن إصابة إلى آخر! يجب الأخذ بعين الاعتبار العوامل الثقافية والاجتماعية بالنسبة للشخص الذي يراد تقييمه، فمثلاً في الدول التي لا يعرف السكان فيها تاريخ ميلادهم ولا يحتفلون به لا يجب سؤالهم هذا السؤال، بينما يعتبر هذا السؤال في المجتمعات الغربية من أهم الأسئلة التي تحدد مقدار فقدان الذاكرة.