مع أوائل هذا العام الميلادي 2011م صدر للدكتورة هدى الفايز كتابا نقديا بعنوان (لغة الشعر السعودي الحديث، دراسة تحليلية نقدية لظواهرها الفنية) ، الكتاب الذي جاء ب (336) صفحة كان ضمن إصدارات نادي الرياض الأدبي، وكان في أصله عبارة عن دراسة أعدت لنيل درجة الدكتوراة ونوقشت كما هو مصدّر في الكتاب بتاريخ 19/6/1431ه، والحقيقة إن قارئ الكتاب لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يغفل الجهد المضني الكبير الذي بذلته الباحثة في تتبع الظواهر اللغوية الدقيقة عند مجموعة ضخمة من شعراء العقود الثلاثة الأخيرة في المشهد الشعري المحلّي، وملاحقتها بين كم هائل من المجموعات الشعرية الصادرة في هذه الفترة بلغت اثنتين وسبعين مجموعة شعرية، إضافة إلى الاستعانة بعدد كبير من الدراسات التي تناولت الشعر السعودي الحديث سواء من قبل باحثين سعوديين، أو أصدقاء عرب. وكعادة هذا الظل الآخر لا يستهدف مناقشة الإصدار وتدارسة - لقصورٍ في صاحبه بطبيعة الحال - بقدر ما يستهدف الإشارة إليه كمنجزٍ من منجزات مشهدنا الإبداعي على مستوى الدراسة والتحليل والربط بين التجارب الشعرية المتداخلة عن طريق الظواهر اللغوية واندغامها بالرؤية، والحقيقة أن هذا الإصدار الغنيّ جدا بملاحقة الظواهر اللغوية في شعرنا السعودي الحديث بين سطور هذا العدد الضخم من المجموعات الشعرية ونسج ما يشبه خيوط العنكبوت للربط فيما بينها، إنما استنفد من الباحثة جهدًا خرافيا يمكننا تأكيده حينما نرصد كل هذه الظواهر وكل هذا الكم الهائل من النماذج الشعرية الممنهجة، والموظّفة بصورة فنية واعية تعكس الصدق والثقة بالتجارب الشعرية المحلية ، وهو أكثر ما افتقدته ساحتنا الشعرية في السنوات الأخيرة من قبل دارسينا المحليين، حينما استهوت تجاربنا الشعرية عدد غير قليل من أصدقائنا من النقاد العرب من أمثال الدكتور علوي الهاشمي في أواخر التسعينات الميلادية من خلال زاويته الشهيرة في هذا الملحق ( ظلال الشعر) التي تمخض عنها إصداره المهم الموسوم ب (ظاهرة التعالق النصي في الشعر السعودي الحديث ضمن سلسلة كتاب الرياض والصادر في العام 1998م)، أو الجهود الكبيرة للدكتور حافظ المغربي من خلال إصدارات متفرقة لعل أهمها ("شعرية المكان المقدس " أو" أشكال التناص وتحولات الخطاب الشعري المعاصر، دراسات في تأويل النصوص") أو "هوامش نقدية على دفتر الشعر السعودي") وغيرهما كثير من أصدقائنا النقاد العرب. أعود إلى لغة الشعر السعودي الحديث والدكتورة هدى الفايز لأشير إلى أن أكثر ما يلفت الانتباه في هذه الدراسة الثرية هي إيمانها الصادق والجاد بالتجربة السعودية الحرّة على مستوى اللغة بكل تجلياتها الرؤيوية، وهي كما أعتقد كل ما تبقى من الشعر منذ عصر الجاحظ ومعانيه الملقاة على الطريق، بعد أن اتُّهم شعراؤنا غالبا بالتبعية والمحاكاة وفقا للتشكيل الحديث للمجتمع الثقافي السعودي نسبيا، مقارنة بالمجتمعات العربية الأخرى، هذا الإيمان بالخصوصية والاستقلالية فتح للباحثة آفاقا متعددة من التأويل والتحليل واستخلاص ظواهر لغوية غاية في الأهمية تميزت بخصوصيتها دينيا واجتماعيا ومورثاتيا، ولا نشك مطلقا في أن هذه الدراسة الكثيفة والثرية ستظل واحدة من أهم الإضاءات النقدية الجادة على مشهدنا الشعري المعاصر من خلال الاعتراف بخصوصيته اللغوية.