تحدث البطالة كما تعرّفها المنظمة الدولية للعمل عندما يبحث الناس بدأب خلال شهر عن وظائف ولايجدونها. والبحث هنا مفهوم فضفاض يشمل استخدام جميع الوسائل الممكنة المفضية إلى الفرص الوظيفية، كما أن الدأب يتضمن التعب في البحث وبذل الجهد اللازم في ابتكار الوسائل، واقتناص كل الفرص الممكنة للحصول على عمل سواء أكان ذلك العمل مناسبا للمؤهل أم غير مناسب. أما نسبة البطالة فتحسب بقسمة أعداد الباحثين عن العمل على قوة العمل الحالية، وليس بقسمتها على عدد السكان عموما كما يفعل البعض. لقد فقد حوالي 25 مليون شخص وظائفهم في أغنى ثلاثين بلداً حول العالم خلال السنوات الثلاث الماضية. وليس من شك أن ارتفاع نسبة البطالة في أي بلد لها آثارها الاجتماعية والسياسية التي تتدرج في البلدان التي تعاني من هذه الحالة من مشكلات أخلاقية وجنائية وفقدانٍ لمورد مهم من موارد الناتج المحلي إلى تفاقم عدم الاستقرار المؤدي إلى الثورات والانقلابات أحيانا. وبالتطبيق على بلادنا مازلتُ غير مقتنع أن اقتصادنا الهائل غير قادر على استيعاب أبنائنا من الباحثين عن العمل، بل هو في ظني قادر على ذلك، ويستطيع أن يحول هذه القدرات المعطلة إلى مصدر يثري الاقتصاد المحلي، وينهض بمستوى معيشة الأسرة والفرد في المملكة. ويحول بين تحقيق تلك الأمنية ثقافة الباحثين عن عمل وثقافة سوق العمل نفسها. فالباحثون عن العمل يفتقدون أحيانا المهارات الأساسية؛ على اعتبار أن مجرد الحصول على شهادة علمية يجب أن يكون ملزماً لسوق العمل بالتوظيف، والواقع أن الشهادة تمثل أحد متطلبات السوق ولكن الأهم منها هو تمتع الباحث عن العمل بالمهارات الأساسية التي تطمئن رب العمل إلى أن هذا الشخص قادر على بدء الإنتاج، وقابل للتطور. ويضاف إلى ذلك قدرة الشاب على البحث عن عمل والتعب من أجل ذلك، والتحلي بالمرونة التامة. أذكر مرة أنني فتحت حواراً مع سائق تاكسي في واشنطن العاصمة فوجدته عضو هيئة تدريس يحمل الدكتوراه ولكنه ترك عمله ولم يجد وظيفة مناسبة فما كان منه إلا أن عمل سائق سيارة أجرة من أجل توفير احتياجاته الأساسية حتى تتوفر له فرصة أخرى للعودة للتدريس في الجامعة. أعتقد جازما بأن البرامج الجامعية قد تغيرت كثيرا باتجاه الاستجابة لمتطلبات السوق، ولكن مازلنا نعاني من ثقافة سوق العمل نفسها التي تريد من الشاب السعودي حديث التخرج أن يكون في مستوى منافس مع موظف وافد تخرّج منذ عدة سنوات وعمل في بلده وبلدان أخرى، وأتيحت له الفرصة لاكتساب الخبرة في سوق العمل السعودي. ومن الظلم للشاب السعودي أن نقارنه بغيره عندما لاتكون هناك ظروف عادلة للمقارنة. أعتقد أن أجهزة الدولة تعلمت الكثير خلال السنوات الماضية وبدأت تتعاطى بجدية مع الأعداد الكبيرة من الباحثين عن عمل. والأمر الملكي الذي صدر بمعالجة وضع الخريجين المعدّين للتدريس، وخريجي الدبلومات الصحية يعتبر مؤشرا مهما على جدية التعامل مع الباحثين عن العمل. وفي يقيني أن أحد أهم العوامل التي ستساعد على تطويع الباحثين عن عمل وسوق العمل للتفاعل الإيجابي مع المشكلة يتمثل في تغيير ثقافة المجتمع ككل، وتهيئة الفرص المواتية مثل التزام الباحثين عن عمل ومحافظتهم على حقوق أرباب العمل وإيجاد آلية عادلة لذلك، وكذلك تحديد ساعات العمل وأيامه ووضع حد أدنى للأجور، ورفع كلفة العاملين الوافدين في مجالات يمكن للشباب السعودي أن يعمل فيها.