وجوه على صور بعضها بالاسود والابيض. اسم، رقم هاتف، تاريخ احيانا. هؤلاء هم مفقودو الثورة الليبية، فتيان، أو أرباب عائلات تملأ صورهم جدران مستشفى الجلاء في بنغازي. يزيد عدد الصور عن المئة يتأملها المرضى والمارة مطرقين، بعضها جديد وبعضها الآخر قديم راحت زواياها تتمزق اسبوعا بعد اسبوع. وبينها صور قليلة ازيلت عن الجدار بعدما عثر على "المفقود" حيا او ميتا. بعد اكثر من ثلاثة اشهر على انطلاق الانتفاضة ضد الزعيم معمر القذافي، تروي جدران المستشفى قصة المفقودين الاوائل الذين اختفوا قبل ان تحمل المدينة السلاح لمواجهة الجيش منذ 17 فبراير، والمتمردون الذين توجهوا الى الجبهة ولم يعودوا منها، سواء قتلوا أم اسروا. غادر سامي ناجي عبد السلام (17 عاما) منزله في 20 فبراير مع اصدقائه، في وقت كان المحتجون يسيرون نحو ثكنة "الكتيبة" في بنغازي التي وقعت فيها معارك ضارية. ويروي احمد العطار احد اصدقاء العائلة ان "سامي كان في الداخل. ولم يظهر بعدها". وقال الرجل المسن "في مطلع مارس تلقينا اتصالا من احد ما قال انه رآه في اجدابيا، ثم شخص اخر قال الشيء نفسه. جيراننا يعتقدون انهم لمحوه على التلفزيون يعبر عن دعمه للقذافي في طرابلس. اما انا، فلا أعرف بصراحة". وفي المدينة التي تكثر فيها الشائعات ويتناقل سكانها الانباء الخاطئة، تبقى عائلات المفقودين يائسة وهي عاجزة عن العثور على أقربائها. يبحث مجدي بلاهو منذ 19 مارس عن صديقه وزميله سعد عطاش. وكان الاثنان يعملان قرب ورش بناء مساكن عند المدخل الجنوبي لبنغازي، وقد تعرض الحي لقصف صباح 19 مارس عند دخول دبابات قوات القذافي. ويقول مجدي "كنت اكلمه على الهاتف قرابة الساعة العاشرة" وقد سمع الهاتف الجوال "يسقط ارضا" مضيفا "لم يردني عبر الهاتف سوى صفير الريح وعندما حاولت معاودة الاتصال رفض اتصالي، ثم قطع الخط". ولم يعثر مجدي على جثة صديقه ولا على سيارته وقد اتصل بالهلال الاحمر وبمنظمات غير حكومية وجال على المستشفيات والمشارح، بدون فائدة. وبحسب الهلال الاحمر الليبي، فقد تم فتح ملفات لاكثر من 1200 مفقود في بنغازي ومصراتة التي حاصرها جيش القذافي لأكثر من شهرين. واوضح عمر بودبوس رئيس قسم البحث عن المفقودين في الهلال الاحمر في بنغازي "أننا نتولى 676 ملفا في بنغازي و697 ملفا في مصراتة. معظمهم فقدوا على الجبهة". وفي بنغازي عثر بحسبه على 41 شخصا على قيد الحياة، وعلى 21 شخصا قتلى ولا يزال 231 على قيد الحياة انما اسرى بأيدي نظام طرابلس. ويبقى مصير 383 شخصا مجهولا ولا يملك الهلال الاحمر او عائلاتهم اي اخبار عنهم. وقال متحدث باسم الصليب الاحمر الدولي ديب فخر "ما زلنا نتفاوض من أجل الوصول الى سجون طرابلس". وتم دفن اكثر من 80 جثة لم يكن من الممكن التعرف اليها بحسب ما افاد طبيب شرعي في مستشفى الجلاء، ومن بينها خصوصا جثث تسعة أشخاص عثر عليها في ثكنة الكتيبة، يعتقد بأنها جثث جنود موالين للقذافي تعرضت دباباتهم لقصف الطائرات الحربية الفرنسية، وجثث عثر عليها على الجبهة. ولا يزال يسجل فقدان أشخاص في منتصف مايو في وقت يخيم الهدوء منذ عدة أسابيع على الجبهة بين اجدابيا والبريقة. ومن بين هؤلاء المفقودين الجدد أيوب عبد الكريم (21 عاما) وقد اوضح شقيقه قيس أنه كان عائدا مع ابن عمه في 10 مايو من اجدابيا الى بنغازي حين تلقى ايوب اتصالا هاتفيا. وقال :"كان أحد ما ينتظره عند بوابة بنغازي الجنوبية، فعاد ادراجه معه حاملا كلاشنيكوف ومبلغا من المال". ويضيف وهو يبكي "قطعت الطريق بكاملها، وصولا الى خط الجبهة، لم أجد اثرا لشقيقي".