تعتبر السمنة ظاهرة عالمية ووباء ينتشر في كل المجتمعات بشكل كبير جدا وهو أحد الآثار الجانبية للمدنية الحديثة. ومجتمعنا السعودي أحد أكثر المجتمعات التي تأثرت بهذا الوباء حيث أظهر العديد من البحوث المحلية أن السمنة منتشرة في المجتمع بين جميع الفئات السنية وبين كلا الجنسين. وقد زاد الوعي العام عند المواطن بخطورة السمنة على الصحة العامة وتسبيبها لأمراض كثيرة مثل السكر وامراض القلب والضغط وارتفاع الدهون وغيرها. ولكن البعض مازال يغفل عن نوع خطير من السمنة لا يقيسه الأطباء عادة ولا يعتبره الناس مقياسا للسمنة. ففي العادة يقيس الناس السمنة بقياس الوزن أو بقياس مؤشر كتلة الجسم والذي يحسب بقسمة الوزن بالكيلو غرام على (الطول بالأمتار تربيع) لقياس مستوى السمنة، والنسبة الطبيعية هي من 18-25. ولكن الأبحاث الحديثة أظهرت مقياسا جديدا للسمنة قد يكون أكثر دقة في توقع مضاعفات السمنة من قياس الوزن أو مؤشر كتلة الجسم. القياس الجديد يعرف بسمنة البطن أو مقاس الخصر. وتكمن أهميته في أنه يعكس نوعاً آخر من الدهن (الشحم) يعرف بالدهن الحشوي. والسمنة عبارة عن تجمع الخلايا الدهنية في أجزاء من الجسم. فالخلايا الدهنية قد تتجمع تحت الجلد أو في أجزاء من العضلات أو داخل الغشاء البريتوني داخل البطن وحول الأحشاء ويعرف هذا النوع من الدهون بالدهن الحشوي لأنه يجتمع حول الأحشاء وهذا النوع من الدهون يختلف عن باقي الدهون في الجسم لأنه "نشط أيضيا" حيث إنه قد يفرز أو يؤثر على وظائف الهرمونات، وهو أخطر بكثير من السمنة التي تتركز في الأرداف والفخذين. فالدهون التي تتجمع في البطن تختلف تركيبيا ووظيفيا عن الدهون تحت الجلد حيث إنها تؤثر على وظائف بعض الهرمونات مثل الإنسولين. فخلايا الدهن في البطن تفرز مواد هرمونية تعرف بالأديبوكاينز كما أنها تفرز مادة ريزيزتين وهو ما يسبب مقاومة الجسم لهرمون الأنسولين ويزيد من احتمال الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. لذلك يبدو أن توزيع السمنة أو الدهون في الجسم أهم بكثير من كمية الدهون الموجودة بسبب اختلاف نوعية الدهون في البطن وتأثيرها السيء على الصحة. لذلك يفضل الأطباء قياس سمنة البطن عند الأشخاص الذين لا يعانون من السمنة المفرطة (مؤشر كتلة الجسم 25-34). ولقياس ذلك يتم قياس نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك (الحوض). وزيادة محيط الخصر عن 102 سم عند الرجال و 88 سم عند النساء أو زيادة نسبة الخصر إلى الورك عن 1 عند الرجال أو 0.85 عند النساء يعتبر أكثر من الطبيعي ويدخل ضمن زيادة الوزن. وقد أظهرت الدراسات أن سمنة البطن تعرض أصحابها لكثير من المضاعفات. ونحن نستعرض هذا الموضوع اليوم لأهميته ولتوعية القراء بخطورة سمنة البطن حتى لو لم يكن باقي الجسم سمينا ولتواتر العديد من الأبحاث الحديثة التي نود استعراضها معكم. ففي بحث حديث ظهر هذا الشهر وقام به مجموعة من الباحثين في مركز مايو كلينك بالولايات المتحدة وأجري على عينة مكونة من 15,923 حالة، وجد الباحثون أن الأشخاص المصابين بمرض الشريان التاجي يواجهون احتمال تعرضهم لمخاطر الموت إذا كانت خصورهم محاطة بالشحوم وان هذا التأثير يستمر حتى على الأشخاص الذين لهم مؤشر كتلة الجسم العادية. وقدر الباحثون أن خطر أمراض القلب عند الأشخاص الذين لهم مستويات عالية من الشحوم حول خصورهم يزيد بنسبة 75 في المئة مقارنة بالأشخاص ذوي الخصور النحيفة. وقال الباحثون إنه حتى الأشخاص الذين لهم مؤشر كتلة جسم عادي وتتراوح أعمارهم ما بين 20 و 25 عاما معرضون لخطر الموت إذا كانت خصورهم محاطة بالشحوم. وأظهرت دراسة أخرى نشرت في مجلة نيو انغلاند الطبية و أجريت على حوالي 360 ألف شخص في أوروبا تمت متابعتهم لمدة تسع سنوات، أن زيادة محيط الخصر أو نسبة الخصر للورك كانت مؤشرا قويا على خطر الوفاة خلال فترة الدراسة خاصة عند الأشخاص الذين لم يعانوا من زيادة الوزن. وبينت الدراسة أن قياس الوزن ليس كافيا وخاصة عند الأشخاص غير المصابين بزيادة الوزن. وفي دراسة أخرى نشرت في مجلة النوم في شهر مايو 2010، درس الباحثون علاقة مدة النوم بالسمنة المركزية أو ما يعرف بسمنة البطن التي تقاس بمحيط الخصر أو بالأشعة الطبقية. وقد تم عمل تخطيط (دراسة) كامل للنوم عند 400 سيدة تراوحت أعمارهن بين 20-70 عاما وتم تحديد نسبة كل مرحلة من مراحل النوم. وقد وجد الباحثون علاقة قوية بين قصر ساعات النوم وسمنة البطن التي تم قياسها بجهاز التصوير الطبقي. وقد استمرت هذه العلاقة بعد السيطرة على العوامل الأخرى التي قد تزيد من سمنة البطن. وكانت سمنة البطن أكبر عند السيدات اللاتي لديهن نقص في مرحلة النوم العميق (مرحلة الموجات البطيئة) ومرحلة الأحلام مما يؤكد أهمية هاتين المرحلتين للصحة العامة. وقد كانت العلاقة بين سمنة البطن ونقص ساعات النوم أكبر عند السيدات اللاتي تقل أعمارهن عن خمسين عاما. ويجمع المختصون والباحثون على وجوب مراقبة محيط الخصر والحرص على محاولة تخفيف سمنة البطن و أن مؤشر كتلة الجسم هو مجرد مقياس للوزن مقارنة بالطول وأن الأكثر أهمية هو كيفية توزع الشحوم في الجسم والذي يعكسه قياس محيط الخصر. لذلك وجب الحرص وأخذ الحيطة والوقاية من السمنة بجميع أنواعها لتجنب خطر مضاعفاتها. ويكمن أساس الوقاية في العيش بنمط حياة صحي يقوم على تناول الغذاء الصحي ومزاولة الرياضة. ويجب الاهتمام بالأطفال بتعويدهم على نمط الحياة الصحي لأنه عرضة لزيادة الخلايا الدهنية خلال نموهم والتي يصعب التخلص منها لاحقا عند كبرهم. أما العلاج فيحتاج لتغيير طريقة الحياة والانضباط في نظام غذائي ورياضي جيد وأكثر الأشخاص لا يستطيع تحقيق هدفه في إنقاص الوزن بدون مساعدة مختص في السمنة. لذلك ينصح بمراجعة مختص في علاج السمنة والأنظمة الغذائية. ومن المهم هنا التحذير من أنظمة التخسيس التي لا يشرف عليها مختص لأنها قد تسبب نقصاً في تناول مواد أساسية مهمة للجسم أو في التأثير على أعضاء حيوية مهمة مثل الكلى والكبد. وهناك عقاقير طبية تساعد في تنقيص الوزن ولكن يجب عدم تناول أي منها قبل استشارة طبيب مختص في السمنة أو الغدد لأنه قد يكون لها آثار غير مرغوبة عند سوء استخدامها. وحديثا ظهرت علميات تنقيص الوزن (جراحة بارياتريك) والتي تعتمد على عمل بعض التعديلات الجراحية في الجهاز الهضمي. وهذه العلميات قد تكون الحل الوحيد للمصابين بالسمنة المفرطة الذين تفشل الطرق الطبية الأخرى في علاجهم. ويعتقد البعض خطأ، أن تمارين تقوية عضلات البطن تقلل من سمنة البطن. وهذا كما ذكرنا اعتقاد خاطئ إذ لا بد من عمل برنامج كامل فانقاص الدهون بحرق السعرات الحرارية وتعديل النظام الغذائي. وقد أظهرت الدراسات أن إنقاص الوزن عند المصابين بالسمنة يقلل كثيرا من المضاعفات السابقة وقد يعود الشخص طبيعيا في حال تنقيص الوزن قبل ظهور المشاكل الطبية المزمنة. ومضاعفات السمنة الخطيرة. تعتبر السمنة ظاهرة عالمية