هل الجودة الشاملة مفهوم حديث بدأنا في تبنيه، أم هو أحد إفرازات لظاهرة عولمية معلوماتية تمثل شعاراً نرجسياً في الطرح، أم أن الإتقان النابع من تعاليم ديننا الحنيف والذي تجاهلناه في معطياتنا الحياتية بدأت مخرجاته تؤثر في تراتبيتنا في المجتمع الإقليمي والدولي، أم أن الرفاه الحضاري يتطلب مأسَسة هذا المفهوم، بدءاً من جامعاتنا والتي أنشأ بعضها عمادات أو إدارات متخصصة في ذلك إلى جانب الاعتماد الأكاديمي،وغياب مفهوم الجودة الشاملة عن مؤسسات القطاع العام في التبني والتفعيل نتيجة للبيروقراطية المقيتة، وغُيب في بعض جنبات القطاع الخاص نتيجة عوامل جهلوية بالقيمة العلمية والعملية والاستثمارية لهذا المفهوم النافع؟ إدارة الجودة الشاملة (Total Quality management) أو ما يطلق عليها البعض إدارة الجودة والنوعية أصبحت تغطي كافة معالم الحياة سواء المنتج التعليمي أو الصناعي أو الخدمي أو الإجرائي وغيره، ولكونه يرتكز على جانب معياري وقياس للأداء ومواصفات المنتج، فإنه يتطلب انضباطاً صارماً وعزيمة ثابتة وثابة، ومعايير واضحة إطارها الإخلاص والحفاظ على شرف الأداء، وأمانة المقتنى ومخافة الله عز وجل في الشاردة والواردة، وهذا يفترض أن لا يغيب عنا لكونه جزءاً من ما عُلمنا من واقع وصميم ديننا الحنيف. الفساد آفة العصر تحتاج الأمة إلى أن تتخندق بكافة أطيافها وأجيالها، وتسخر قدراتها لمقاومة تلك الآفة، وإظهار وتشريح آثاره وتداعياته، فنرى اليوم في عالمنا العربي دولا اضطربت واهتز كيانها، وزلزلت مقدراتها واستقرارها، وعانت من فراغ قيادي وسياسي مقيت، نتيجة لاستشراء الفساد في النسيج الوطني هل أصبحنا أسْرى للروتين، وقتلنا في أنفسنا الإبداع والابتكار والأصالة في منتجنا الحضاري، أم غابت وغُيبت الرؤية المستقبلية والتخطيط الإستراتيجي من منهج حياتنا، أم هناك أعداء النجاح والتطور الذين غلبت على قياداتهم وإدارتهم نزوة حب الذات والأنانية المفرطة، ولا همّ لهم إلا مصالحهم الشخصية وتبذير المال العام، فيعطلون صياغة الرؤية المستقبلية، ويهمشون التخطيط الإستراتيجي عن تحقيق الأهداف المرسومة، ويشككون في جدية وجدوى تحقيق تلك الأهداف، بل إن بعضهم متنفذ ويستطيع أن يجمد ويبرد ويهمش ويوقف ويرفف ويؤرشف تلك الخطط المستقبلية والتي تخدم أجيالا قادمة، ويشنون هجوماً مضاداً على المعايير والمقاييس والجودة الشاملة لكونها تكشف عن عورة المنتج المُدلس أمام مجتمع المستهلكين الذين يتوقون إلى الرفاه والرقي وتسهيل سياق حياتهم من خلال تعزيز ومساندة وتطوير البنى التحتية والخدمية، وحفظ المال العام لدعم سياق التنمية المستدامة؟ الفساد آفة العصر تحتاج الأمة إلى أن تتخندق بكافة أطيافها وأجيالها، وتسخر قدراتها لمقاومة تلك الآفة، وإظهار وتشريح آثاره وتداعياته، فنرى اليوم في عالمنا العربي دولا اضطربت واهتز كيانها، وزلزلت مقدراتها واستقرارها، وعانت من فراغ قيادي وسياسي مقيت، نتيجة لاستشراء الفساد في النسيج الوطني فَمزَقهُ، فبرزت أنياب المُتضرر الذي سُلبت حقوقه وحريته وعطاؤه وموارده من أجل حفنة فاسدة لا همّ لها إلا الاكتناز وضمان تشبُع ملاءتها المالية، ومحاربتها لكل مشروع وطني. المرتكز الحضاري في الدولة هو المواطن، والوعاء الإنساني له هو الوطن، وطن معطاء لا نبخل عليه بفكرنا وعلمنا وثقافتنا، في ظل شريعتنا السمحة، ونقود هذه الجهود في جميع معطيات الحياة بدون مِنة أو تكرم. وعندما صدر التوجيه الإستراتيجي الكريم والقاضي بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؛ حيث قضى التوجيه الكريم وبشمولية واضحة لكل "كائن من كان"، وهذا يفرض على الهيئة، وخاصة بعد أن اعتمد المقام السامي الكريم هيكلها التنظيمي، وعند إصدار إرشادها الإستراتيجي لبناء الخطة الإستراتيجية لمكافحة الفساد أن تشير لهذه المرتكزات والمقتضيات الأساس عند صياغة الرؤية المستقبلية، والتي تمثل الإطار العام للبنيوية الإستراتيجية. وعليها أن تحدد المعايير والمقاييس للجودة الشاملة لجميع المُخرجات الوطنية، وأن تغطي كافة القطاعات سواء العام أو الخاص، خاصة وأن الهيئة اعتلت على جميع المؤسسات الرقابية في الدولة، وعليها حزمة كبيرة من المسؤوليات الوطنية التي ينتظرها وليّ الأمر والمواطن على حد سواء. ويساعدها في إنجاز مهامها والمسؤولية الملقاة على عاتقها إذا تبنت مستويات مميزة من إدارة الجودة الشاملة سواء في الرؤية المستقبلية والخطة الرقابية الإستراتيجية الناتجة عنها، وفرض تلك المستويات لضبط إيقاع المنتج الحكومي وغيره بما يتفق مع معايير الجودة الشاملة في خطوة تُعزز من مكافحة الفساد في المستوى الوطني، كما تُؤمن أدوات الردع اللازمة، شريطة أن تتفق تلك المعايير والمقاييس مع ديننا وقيمنا وثوابتنا، وأن لا نخاف في الله لومة لائم. التوجيه الإستراتيجي من لدن خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله ضمن "كائن من كان"، ترمز إلى أن يتم تنفيذ ما يجب فلا علوية ولا فوقية ولا طبقية، بمعنى المطالبة الحقيقية بوأد الفساد بكل ألوانه وأطيافه، ومحاربة ومحاسبة كافة أطرافه وأطنابه وجذوره وأذنابه. ويظل دور الهيئة في وضع إستراتيجيات ربط الواقع بالممكن لمحاربة هذه الآفة، وأن تُصحح وتُحسن وتُفعّل وتُصلح من دور وواجب المؤسسات الرقابية الأخرى، والتي غابت الخطط الإستراتيجية عن معظمها، حتى إن بعضها ضرب أطرافها الملل، وتعثرت أمام كثير من العقبات والمعوقات، وقيُدت حرية حركتها في ظل التساؤل المُقيد والمرهون بطبيعة الطرح ومن مَن ولمن يوجه؟ وبالتالي أصبح منتجها الرقابي ضعيفا ولا يتفق مع أبسط قواعد الجودة الشاملة أو معايير النوعية المطلوبة في المحاسبة. إنها الجرأة والشجاعة الأدبية التي تتطلب استجلاء الحقائق دون المساس بالكيانات، والسعي الحثيث للحفاظ على مقدرات الأمة للأجيال الحالية والقادمة. وجميعنا على يقين بأن الهيئة سوف تواجه الكثير من التحديات والمعوقات، وكذلك بعض المقاومة من بعض المتنفذين أصحاب المصالح، ولكن هؤلاء فئة جبهتهم ضعيفة ومدى الرؤية لديهم أضعف لكونهم خفافيش ظلام، وروح الوطنية الغراء بعيدة عن متناولهم، ووزنهم وميزانهم للحق ضعيف، وكيلهم للعدل خاسر، فئة يجب أن نكون يداً سعودية وطنية واحدة ضدها، نحاسبها ونردعها وفق معايير ومقاييس رقابية ووقائية وإجرائية وجزائية ذات جودة شاملة تحقق الإدامة والحفاظ على مقدرات وثروات البلاد. شريطة أن نوقظ المتربصين الغافلين، ونحث الخاملين، وننبه الخاسرين، ونذكرهم بما سيواجههم في الدنيا والآخرة، وأن نصفي النية خالصة لرب العالمين. وأن نعلم أولاً وأخيراً بأنه لا يدوم إلا نور المعطيات والإنجازات. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين *خبير إستراتيجي وجيوستراتيجي