لا ألوم أعضاء مجلس الشورى عندما يطول الجدل وتكثر المقترحات حول مشروع نظام الهيئة العامة للغذاء والدواء ويدلي كل بدلوه حول هذه الهيئة رغم بعده عن التخصص فالموضوع يعني كل واحد منا في غذائه ودوائه وصحته وصحة أبنائه والأجيال القادمة. لكن الواضح حسب الجدل الذي دار الأحد الماضي ونشرته جريدة «الجزيرة» ان أمر الهيئة العامة للغذاء والدواء يناقش وكأننا أول دولة تطبق هذا الاحتراز المهم في الشأن الغذائي والدوائي والذي جاء لدينا متأخراً مقارنة بمستوى طموحنا وتطورنا وقفزاتنا الحضارية. كان أهم اختلاف في الآراء في جدل مجلس الشورى يدور حول الخيار الأول أو الرابع والأمر يتعلق بصلاحيات الهيئة العامة للغذاء والدواء وهل تكون تشريعية رقابية تنفيذية أم ان تقتصر على التشريع والرقابة دون التنفيذ ويترك التنفيذ لجهات الاختصاص مثل وزارة الصناعة والتجارة أو الصحة. يبدو لي من هذا الاختلاف ان لجنة الشؤون الصحية والبيئة عندما أعدت الدراسة لم تراجع جيداً أو مطلقاً تجارب الدول التي سبقتنا في هذا الاحتراز وأقربها تشابهاً لأساليب الترخيص والمتابعة لدينا هي الولاياتالمتحدةالأمريكية ويبدو أيضاً ان اللجنة لم تعتمد في هذا الصدد ضرورة ان نبدأ من حيث انتهى الآخرون خاصة في هذا الموضوع شديد الحساسية سريع التغير والتغيير وفقاً للمستجدات والممارسات الخاطئة والتعديل والتبديل الذي يهدف لمنع تلك الممارسات. واستنتاجي بعدم رجوع اللجنة لتجارب الآخرين جزئياً أو كلياً يؤيده تصريح سعادة رئيس اللجنة الدكتور محسن آل تميم لجريدة «الجزيرة» الثلاثاء 17 ربيع الأول 1426ه الذي جاء فيه ان الفريق العلمي المتخصص الذي أُلف لمشروع النظام أجرى مسحاً للجهات المشرفة على الغذاء والدواء في «المجتمع السعودي» انتهى. كان من المفترض الرجوع لتجارب الدول المتقدمة، والصيادلة في مصانع الأدوية والمستشفيات ولجان التسجيل بوزارة الصحة يعرفونها جيداً وثمة تبادل خبرات واستشارات وزيارات في هذا الصدد خاصة مع FDA في أمريكا وأحسب أن اخصائيي التغذية ايضاً لهم نفس الخبرة وإذا ما أردنا ان ننطلق من حيث انتهت دول عانت في هذا الصدد وغيرت وبدلت وحسنت حتى أصبحت مرجعاً فقد كان الأجدر أن نرجع للصيادلة وخبراء الغذاء الممارسين وليس الاكاديميين فقط. هيئة الغذاء والدواء في كل الدول المتقدمة لها صلاحيات تنفيذية قوية ونافذة غير قابلة للتدخل من أي جهة أخرى بما فيها الوزارات المختصة كالصحة والزراعة والتجارة وخلافها هذا إلى جانب صلاحيات الهيئة في مجالات التشريع والرقابة، والأمثلة العالمية في هذا الخصوص كثيرة وأهمها (FDA) في أمريكا و(TGA) في استراليا وهذا الموضوع لا تحكمه خصوصيات اجتماعية أو تقاليد وعادات حتى نطمح لأن يكون لنا أسلوبنا الخاص المختلف عن بقية دول العالم. ثم إن جهات الاختصاص لدينا ومنها الصحة والتجارة والزراعة لم تتمكن من الحد من أضرار أدوية وأغذية ومنتجات زراعية كثيرة على مدى هذا العمر التنفيذي الطويل فكيف نوكل لها بالتنفيذ تجاوزاً للهيئة؟! ولعل مثال مشروبات الطاقة التي ثبت ضررها علمياً وطبياً ومازالت ثابتة في أرفف البقالات والأسواق أصدق دليل على العجز. أما الدليل الثاني فهو عجز وزارة الصحة عن منع الدعاية للأدوية في لوحات الشوارع رغم ان التشريع يمنع الإعلان عن الدواء. إن تشريعات الدواء والغذاء لابد أن تكون نافذة وفعالة على أرض الواقع لأنها لا تقبل الارتجال ولا التوسط والشفاعة والفزعة، هذا إذا أردنا أن نأمن على أنفسنا من خطر الغذاء والدواء.