فكرتُ في لحظة أن أتبرع ببناء مدرسة على نفقتي الخاصه يكون من أهم شروطها أن لا تقبل طلابها إلا من فئات القمل .. لا أريدك أن تأخذ الأمر على محمل السخرية فثقتنا بكتابنا كبيرة ولابد أن أحدهم تناول موضوعاً كان له من الأهمية ما يفرض علينا اهتماما معادلا كي نزيد من تراكمات ثقافتنا بإضافة جديد ، وكي نتعلم منه ما جهلناه طوال سنوات بحثنا ودأبنا وسعينا خلف المعرفة، وبالنسبة لي هذه هي المرة الأولى التي أقرأ فيها عن القمل الذي لابد هو - من حيث - أنه من بنات أفكار أحد كتابنا يكون جديرا بكل محاولات الفهم والمعرفة والاستفادة ، وأعترف أنني فشلت إلى ذلك الحد الذي دفعني إلى الاهتمام ببنات الأفكار هذه وتوجيه رعاية خاصة بمخلوقاتها حتى وإن كان قملًا فلم أجد ما أدعم به هذه الوضعية ألا إقامة مدرسة تتولى القمل بالرعاية وإنضاج المواهب وزيادة المعرفة، وتوفير الثقافة العامة له . أرى أنني لا أكاد أختلف عن من كتب عن القمل ! هكذا أفرغت الدنيا بكاملها من الهموم والهواجس والقضايا الفكرية ولم يعد لدينا ما نكتب عنه إلا حشرة دميمة وقبيحة نناصبها كل الكراهية والعداء . ربما أراد الكاتب أو الكاتبة أن يقول إن قانون المطبوعات الجديد لم يترك للكتّاب مساحة للكتابة إلا عن القمل أو نانسي عجرم وهيفاء وهبي.. كذا أراد الكاتب أن تصل الرسالة .. رسالة فيها الكثير من الكذب والادعاء والمغالطة والفضح ، كذب لأن قانون المطبوعات لم يمنع أحدا من الكتابة عن قضية مهمة من مجالات الفن والأدب أو الثقافة عموما أو الفكر أو حتى القضايا الاجتماعية والاقتصادية وغيرهما ... والادعاء بأن الرسالة توعز بالمطالبة بمساحة من الحرية ليس لها أي حدود ، لأن تلك المساحة المطلقة هي وحدها القادرة على استيعاب معطيات هذا الكاتب ، مع أنه عندما حاول لم يستطع تجاوز رأس فتاة .. أو رجل .. ، أما الغوص داخل تلك الرأس الزاخر بالقمل لمعرفة حجم الحرمان أو القهر أو الأحلام أو الآمال لا يحول دونه جلد الرأس وكثافة القمل ... وفي الرسالة مغالطة كبيرة لأن قانون المطبوعات لم يفرض على الكاتب اختيار موضوع كموضوع الرأس المتسخ أو الفنانة .. والأهم من هذا كله أنها رسالة تفضح فقر صاحبها لأنه لو كان لديه أمر مهم يشغله لما ضيّعه من أجل حشرة لم يضف إلى معرفتنا بها شيئا . هذه مناورة ألفناها كثيرا في سلوكنا المعهود لدى البعض ، إذا عجز عن العطاء برر فشله بالمنع والمصادرة ، وإذا افتقر إلى فكرة علّق فقره على أقرب مشجب سواء أكان مناسبا أم غير مناسب ، ولا أظنني أخطئ إذا قلت إن التزام الكاتب المزود بكل أشكال الوعي الذي تنوعت بداخله كل معطيات الثقافة الإنسانية، والراغب بالدفع بحركة المجتمع باتجاه أفق جديد ، والحريص على أن يقدم للناس ما ينتفعون به من علمه مثل هذا الكاتب ومن داخله ، سلطة للالتزام أشد من كل قوى الإلزام ، وهو محاصر بهذا الهمّ أكثر من محاصرته بمادة في قانون المطبوعات ربما كانت توجهه إلى ما يليق أو ما لا يليق ، ولا أظنني أيضا أختفي كثيرا إذا قلت إننا في المنطقة العربية لا نعرف كيف نضع رموزنا من الاعلام والعلماء ، فإذا شدّدت فقرة في قانون المطبوعات على عدم النيل من شخصية باسمها فلعلها بذلك تدرك أهمية رموزه العربية ، ولهذا تركت لنا ككتّاب حرية أن نعارض ما يصنعون إذا رأينا في تلك الرموز انحرافا قليلا عن جادة الطريق ، فما الذي نسعى إليه هل هو الحقيقة ؟ هل نسعى الى القسر الى كتابة قوامها السب والقذف والردح وبالاسم ، أو أن يكون البديل ضحايا آخرين لا تحميهم منا قانون المطبوعات وبالاسم كالقمل والبعوض والصراصير؟!