كنتُ أقولُ لأخرى تتوقُ إلى كتِفِ الأمسِ مثلي بأنَّ الذي بيننا يشبهُ الحزنَ فينا .. وقفنا معًا في المكانِ الوحيدِ الذي لايجيء ُإليهِ الرفاقُ القدامى ولا يتركُ البحرُ في شمسِهِ غيمةً للربيعْ ... كانت .. تودُّ التحدُّث مثلي ، ولكنها غرقتْ بالعطورِ القديمةِ حين نجوتُ وحيدًا بلا شاطئٍ أو زوارقَ غرقى ، سوى وطنٍ آخرٍ يمنحُ التائهين الرجوعَ لأسمائهم ..! ** الذكرى مدينة لانفرّق فيها بين الحي والميت .. ولا الغواية والهداية .. إنها حياة أخرى في مدينة تكتفي بساكنيها ..وتشغل زائريها دائما ..! *** ( إلى صديقي في بلاد ماوراء الأثر ..! ) هكذا ياصديقي ... منذ أكثر من تسعة أعوم عرفتَ أن الغربة حقيبة بعجلات صدئة .. وأن المطارات جناحي نورس قلق ...! هكذا منذ 21 2002 م ، يتشدّق الليل بانتهاك الغرباء .. وتتبجّح الوحدة بمضاجعة الساهر ... وتلوك الريح فضيحة النوافذ ... هكذا ..هكذا أيها الأحب حينما نتذاكر الغرباء يؤمك الحنين ... تغادرك الأنثى قصيدة وتلقاك بمنديل موعد جديد ..! لا أعرف عن الغربة إلا أنها بلا أم ولا طاولة مستديرة ...! بلا أصدقاء كالظلال ...! وبلا برامج للأطفال المتعبين من ضحى القرى الحزينة .. لا أعرف عن الغرباء إلا دخان سجائرهم في الزوايا المعتمة ...! حتى قهوتهم لاتصنعها لهم حبيبة ولا يقدمها لهم موعد ...! وحدهم الغرباء يا ياصديقي .. يتوقون إلى العناق في الشفق الأخير ، يدافعون عن السهارى الخائفين من أضغاث أحلامهم ..وعن تبعات الغياب والرسائل المنهكة ...! لا أعرف والله كيف ينامون باتجاه القبلة ..ويموتون باتجاه الشمس ...! حدثني ياصديقي ... عن غريب مثلك ... لايسأله الرصيف عن ألوان حذائه ... ولا عن هويّة الطريق ..! علمني كيف تداهمك العولمة ... هكذا قبل أن تقبل رأس أبيك أو تفرّش أسنان سريرك ..! علمني ... هل الجرائد هناك بلا مقدمات ...! هل صحيح أن القصائد بلا شعراء .. وأن الفتيات لايعتنين بنوع الملابس الملقاة على حبال المواعيد ...! حدثنا ياصديقي .. فتلك تضاريس قديمة كخرائطنا المدرسية ...! حدثنا من هناك عن كل شيء ، عن أسعار النفط التي تتجمّد بالسلام وتتمدَّد بالحروب ..! عن قدرة الإنسان على طِلاء ظلّه ...! عن المطر .. وكيف لايبلّل فروة الشوارع .. عن حزام الأمان في شوارع الجريمة ، حدثنا ..حدثنا عن ... ياااااااه ... صدقني أريد منك أن تعود فقط ..!