فاقد الشيء لا يعطيه. فالجهات الحكومية التي لا تتمكن من تطوير مواردها البشرية، وتحقيق العدالة بين منسوبيها، وتقليل الصراعات بينهم، ورفع مستوى الرضا الوظيفي؛ لن تستطيع تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها والمساهمة الفعّالة في تنمية المجتمع وخدمة المواطن. وتشير الحالة العامة لمعظم الجهات الحكومية إلى ضعف مستوى أدائها، وانحرافها عن مسار الاستغلال الأمثل لمواردها المالية والبشرية. لقد تحولت معظم القطاعات الحكومية إلى أجزاء مفككة تتسم بضعف مستوى الرضا الوظيفي، وأصبح كبار المسئولين يعتمدون على مجموعات صغيرة من الموظفين لتأدية المهام الملحة والعاجلة. واختفت سمة الأداء الجماعي في كافة المستويات الإدارية، وطغى في القطاع العام الأداء الفردي الذي لا يعول عليه في اتخاذ القرارات لأنه مجرد وجهة نظر شخصية. ولعبت الأخطاء الإدارية -والإصرار على تكرارها- دوراً بارزاً في ضعف مستوى الرقابة الداخلية، وترتب على ذلك خلل واضح في مبدأ الثواب والعقاب، ونتج عن ذلك انخفاض حاد في مستوى الرضا الوظيفي الذي لا يعدو كونه شعوراً ينشأ لدى الموظف نتيجة لمقارنته بين وضعه الوظيفي وبقية زملائه. وبالرغم من تحيز الموظف في تقييمه لأعماله، إلا أن الثغرات الإدارية تجعل الموظف لا يلاحظ أي اختلافات جوهرية بين وضعه الوظيفي عندما يكون في قمة أدائه أو في أسوأ حالاته. وزاد من سوء الأوضاع ضعف الكوادر الإدارية القادرة على تهيئة بيئة عمل مناسبة، وفي كثير من الحالات تكون الكوادر الإدارية عقبة أمام تحسين الأداء وتمثل عبئاً إضافياً على الموظف، وذلك بسبب انتشار المزاجية، وانخفاض مستوى الثقة بالموظف، والتوجيه المباشر الذي ساهم في انتشار ظاهرة القيادة من المرتبة الخلفية «Back Seat Driver»، وهذا الأسلوب يؤدي إلى إرباك العمل ولا يحقق الحد الأدنى من مستوى الأداء المقبول. وفي بعض الحالات، ساهم سوء استغلال السلطة والتعالي على الموظف في انخفاض مستوى الرضا الوظيفي. إننا لا نرغب، بل (وبل أداة زجر وردع) لا نجيز لبعض المسئولين استخدام ألفاظ محبطة لمرؤوسيهم. قال أحد المسئولين لبعض الموظفين المتظلمين: إن طوابير على باب الوزارة تنتظر الحصول على وظيفة، وقال آخر باللهجة العامية: «اليي مو عاجبه يمسك الباب!!»، وقال آخر: «المستاذي يطلع!!». وهنا نسأل: «لو قدم أحد المهتمين شكوى بشأن الزحام في مدينة الرياض لسمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله –؛ هل سيكون جواب سموه: «وش امقعدك بالرياض؟!». أنا أجزم بأن إجابة سموه ستكون إيجابية، وسيطلب منه اقتراح أي حلول لهذه المشكلة. وهناك قصور واضح في تنظيم الشؤون الداخلية للقطاعات الحكومية والمؤسسات العامة، فلا توجد سياسات وأهداف واضحة، ولا استراتيجيات بسيطة أو معقدة، وتهيمن على بعض كبار المسئولين فيها فلسفة البقاء على ثقافة البناء، حيث لا تتخذ أي قرارات مفيدة للمجتمع إذا انطوت على درجات مخاطرة محدودة على بقائهم، فالأهم البقاء... أما البناء فينظر إليه على أنه تحصيل حاصل. [email protected] * مستشار اقتصادي