يواصل المسؤولون السياسيون والنقديون في منطقة اليورو محاولاتهم احتواء الأزمة الهيكلية التي تعصف بعدد من الدول الأوروبية وذلك بعد عام واحد من اعتماد الاتحاد الأوروبي وللمرة الأولى خطة متكاملة لإنقاذ إحدى هذه الدول وهي اليونان . ورغم تكريس مبالغ مالية ضخمة وإرساء آلية الاستقرار المالي الأوروبية المؤقتة ثم المستدامة فإن الاتحاد الأوروبي لا يزال يواجه متاعب عملية في التغلب على تداعيات الأزمة المصرفية التي اندلعت في صيف عام 2008 وتحولت إلى أزمة للديون السيادية . وتوجد خشية من تفشي الأزمة حاليا إلى دول بحجم إسبانيا وإيطاليا بعد أن طالت تداعياتها بشكل كبير كلا من أيرلندا والبرتغال . وتحصلت أثينا خلال عام واحد على تسهيلات مالية تناهز 112 مليار يورو فيما تحصلت أيرلندا حتى الآن على سلة نقدية كمساعدة مباشرة تناهز الخمسة والثمانين مليار يورو . وتتفاوض البرتغال حاليا كدولة متسيبة ثالثة في منطقة اليورو بشأن تفاصيل خطة إنقاذها والتي يجب أن تتكامل مختلف بنودها وعناصرها مع بداية شهر يونيو المقبل لكي تتزامن مع تنظيم الانتخابات التشريعية في هذا البلد . وأشرك الاتحاد الأوروبي إلى جانبه في إدارة شؤون الدول المتسيبة داخل منطقة اليورو صندوق النقد الدولي مما اعتبر بمثابة تدخل صريح ورسمي من المؤسسة النقدية الدولية في شؤون أوروبا وهو تحول ذو أبعاد سياسية كبيرة . وتقوم المفوضية الأوروبية منذ اندلاع أزمة اليونان السيادية بإدارة شؤون ديون اليورو مع كل من المصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي . وقال مسؤولون في بروكسل إن المفوضية قادرة حتى الآن على التحكم في مختلف جوانب إدارة أزمة الديون التي بات بالإمكان تجاوزها تدريجيا بفضل التضامن الفعلي الذي أبدته الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا مع الدول المتسيبة . ولكن العديد من المحللين يعتبرون أن أوضاع منطقة اليورو لا تزال هشة بشكل كبير وأن أية اضطرابات اجتماعية أو تغييرات في التحالفات السياسية في بعض من الدول وكما هو متوقع حاليا في فنلندا عقب الانتخابات الأخيرة من شأنه أن يتسبب في دخول منطقة اليورو في دوامة من الاضطراب غير المحسوبة العواقب . وتخيم شكوك بالفعل بشأن إلى أي مدى سيستمر تضامن بعض الدول وخاصة ألمانيا وهولندا والنمسا مع الدول المتسيبة خاصة أن اليونان وبعد عام من حصولها على مبالغ مالية طائلة لا تزال غير قادرة على الوفاء بأقساط ديونها السيادية وتواجه صعوبة في الحصول على التمويل الضروري في أسواق المال . وتطرح العديد من التساؤلات بشأن فاعلية الخطط الاقتصادية والاجتماعية لحكومة أثينا . كما تطرح تساؤلات أخرى بشأن توجه يوناني محتمل نحو إعادة جدولة الديون اليونانية وهو ما يعتبر سابقة فعلية في تاريخ الدول الأوروبية أي أن تعلن دولة منتمية لمنطقة اليورو عن إفلاسها عمليا . وتواجه دول اخرى معضلات خطيرة في التعامل مع العجز العام وأحجام المديونية . ولكن المشكلة التي تواجه أوروبا تظل تتمثل في التعامل مع متاعب المؤسسات المالية والمصارف . ورغم قيام منطقة اليورو بسلسلة من اختبارات الضغط أو اختبارات المقاومة على المؤسسات المصرفية فإن مصارف أوروبا لم تستعد ثقة المتعاملين بعد، وتظل الحلقة الضعيفة في معادلة القوة النقدية للاتحاد الأوروبي رغم صلابة اليورو مقابل العملات الأجنبية . وقال صندوق النقد الدولي في تقرير نشر مؤخرا إن وضعية المصرف الأوروبية لا تبعث على القلق . وانطلقت الأزمة في أيرلندا عام 2008 بسبب انهيار قدراتها المصرفية ،ولا تزال المصارف الأيرلندية تواجه معضلات عملية خطيرة ونقص في التمويل رغم قيام حكومة دبلن بعملة تأميم شاملة وتامة لها . ويجمع المحللون على الطابع الهش للموقف النقدي في أوروبا ولعدة عوامل وأهمها عدم ثقة أسواق المال والمتعاملين في خطط الإنعاش المعلنة في أكثر من دولة والتي ترتكز أساسا على فرض التقشف والصرامة في الموازنات دون حفز الاقتصاد الفعلي وسوق العمل . ولكن المتفائلين داخل منطقة اليورو يعتبرون أن الأدوات المتعددة الطوابق التي وضعها الأوروبيون حتى الآن لمواجهة الأزمة المصرفية والمالية أحدثت انقلابا نوعيا فعليا في طريقة تعامل أوروبا جماعيا مع متاعبها الاقتصادية وأنه يجب منح القائمين على عملية الإصلاح الحالية الوقت الضروري لإقناع المتعاملين وأسواق المال بصلابة نهج التعامل الجديد .