قاعدة التأسيس للغة العربية ومصطلحاتها وتطويرها وفق العصر لم تدخل اهتمام السلطات العربية باستثناء دولة قصّية هي «موريتانا» التي تملك في ثقافتها العربية مليون شاعر يتجاوزون بتعدادهم كل الوطن العربي.. فالأمة التي لا تحترم موروثها وتاريخها، وأهم مصادر ثقافتها ووجودها، ووعاء علومها ومخاطباتها، أمة عاجزة ومهزومة من داخلها بسبب رداءة تعليمها، وبنظرة بسيطة انظروا إلى المناهج المدرسية والجامعية، والدراسات العليا حتى من بين كليات اللغة العربية، كيف يخطئون بالإعراب والإملاء والتركيب اللغوي، وانظروا إلى المكاتبات بين الدوائر أهلية وحكومية، تروا أن الجملة لا تؤدي إلى معناها، أي أن أمية اللغة بدأت تزحف إلى معارفنا ومخاطباتنا، وصارت الأغنية والمسرحية والمنتجات السينمائية تكتب وتنطق بالعامية، وتحول الشعر الشعبي ليكون سيد المناسبات ووسائل الارتزاق لدرجة أن وضعت له جوائز كبرى في سياق صارت تتنافس عليه الدول والهيئات والأشخاص، ليمحو الشعر العربي التقليدي والحديث وفقه اللغة كلها.. المشهد العربي الحديث، إذا كان شبابه يسقطون حكومات ويذهبون بآمالهم لتأسيس الدولة الحديثة، فالتحدي الأكبر يأتي من بناء ثقافة الأمة بأسس ثورية تلتقي مع مسببات التغيير، لأن ما يهددنا ليس فقط الصراع السياسي مع القوى الخارجية، بل ما نتبناه كأسلوب لحياتنا شكّل أزمة وعي غير مسبوقة.. نتذكر الدعوات التي تريد اللهجات العامية، أن تكون اللغة القابلة للتوالد والتطور، حيث ذهب البعض لمسخ الحرف العربي لحساب اللغات المعاصرة التي استنسخت حروفها من اللاتينية، لأن اللغة العربية -في ظنهم- بقواعدها واشتقاقاتها لغة ميتة غير قابلة لمسايرة العلوم والمعارف الحديثة، ولا أدري لماذا الصينية واليابانية والكورية أصبحت لغات حية لم تخلق موانع في البحث والتطور الذي سبق الحضارات الأخرى ونافس الحضارة الأوروبية؟ لقد ماتت مجامع اللغة العربية مع «الشاطر والمشطور»، وهو ليس ذنبها وإنما ذنب من لا يفهمون ويدافعون عن قيم حضارتهم التي أساسها اللغة، ومصادر معارفهم، والدليل أننا لو واصلنا توليدها وترجمنا كل مصطلح حديث إليها وأعطينا جزءاً من خمس ثرواتنا لها، لربما احتوت العالم الإسلامي كله الذي يتعطش لفهم أصوله الدينية بلغته الأصلية.. قيل الكثير عن أزمتنا مع لغتنا، وأصبح من يدافع عنها لا يملك عقل العصر، ونحن هنا لا ننادي أن يكتب وينطق بلغة القواميس والمعاجم، وإنما بجعل السائد في اللغة السهلة ذات بناء متطور بحيث لا يسود اسم المنتج الحديث ليكون جزءاً منا، والأهم أن نعي أننا نندمج مع عالم مختلف اللغات والثقافات، وما لم ندرك المخاطر المحيطة بنا فإننا نهمل أهم ثروة في حياتنا..