يندر أن تجد مؤلفاً عربياً اليوم يخصص صفحة من مؤلفه للإقرار بفضل الغير وشكر كل من أسهم في جهد التأليف سواء قل هذا الجهد أو كثر, وهي ظاهرة تنم عن خلل ثقافي نعيشه. وهذه الممارسة التي لا تخلو من سيطرة الأنا , تعكس العلاقات البينشخصية سواء بين أفراد الأسرة أو المجتمع . كما تعكس الظاهرة فلسفة التربية المتبعة لدينا. فالنظام التعليمي والمجتمع في العالم العربي يعززان الفردية و يكبحان روح الفريق.على الرغم من أن الدين يحث على الجماعة والتعاون . فيكبر الصغار بقيم تجعل من إشراك الغير في انجازه أو طموحه منقصة ومثلبة لاستقلاليته و لاحترام الذات. هذه قضية قديمة قد تجاوزتها كثير من الأمم إلا أنها متجددة لدينا لاستمرار أعراض المرض. فعلى المستوى السياسي , أصبحت معه النظم الاستبدادية Totalitarianism جزءاً من الماضي , فالعالم اليوم يتحرك في فضاءاته السياسية ككتل سياسية قبل و أثناء ممارسة السلطة . في حين أن التفرد ديدن شعوبنا المتوجسة. عوامل عدة مسؤولة عن استمرار الظاهرة منها أن مفهوم المنافسة غير عادل مع شعور الفرد بعدم الأمان. هنا أورد الشاهد وهو من الغرب ليدلل على الاعتراف بفضل الأخر, وليعذرني القارئ على ذلك ولكننا مفتونون بالغرب , وفي ذلك يقول ابن خلدون " والمغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره، وزيه، وبخلقه، وسائر أحواله وعوائده...ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبدا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها و أشكالها, بل وفي سائر أحواله" . وفي قصة كشف طريقة لفصل هرمون الانسلين من البنكرياس عام 1891م على يد الطبيب الكندي فريدرك باتنغ Frederick Banting و مساعده تشارلز بيست Charles Best ما يدلل على ذلك . فقد استطاعا بفضل المعمل الذي وفره الدكتور جي. مكلويد J. MacLeod تحقيق ذلك الانجاز. وحين فاز كل من باتنغ ومكلويد بجائزة نوبل رأى باتنغ أن مساعده تشارلز لم تنصفه لجنة جائزة نوبل فاقتسم جائزته المالية معه. ولنا أن نتخيل وقع ما فعل باتنغ على مساعده بيست , لابد أن الأثر كان ايجابياً على الاثنين , فالاعتراف بفضل الآخرين والامتنان لهم أحد أسرار السعادة في الحياة. فقد أثبتت دراسات أن الاعتراف بفضل الغير له اثر ايجابي متعلق بالصحة النفسية والبدنية للفرد, كما أن الإقرار بفضل الآخرين عليك يحسن المزاج ويساعد على التعبير والاستمتاع بالحياة. ويجعلنا نقدر أعمال الآخرين ونشعر بالرضا. وإغفال ذكر أصحاب الفضل هو نوع من الكذب. فعند الكبار يكون الكذب لهدف ليس غايته الإفلات من العقوبة دائما كما هو عند الصغار. و في هذا الخصوص يذكر عالم النفس روبرت فلدمن Rober Feldmen من جامعة مساتشوسيتس Massachusetts أن الكبار لديهم الرغبة على السيطرة على رؤية الآخرين لهم وهم كذلك يرغبون في السيطرة على رؤيتهم لأنفسهم. فعلى مستوى التأليف لا يظن ظان أن نكران الفضل متأصل في ثقافتنا فالثقافة العربية انفردت بعلوم كعلوم الجرح والتعديل أو علم الرجال وهو علم أحد مباحثه إرجاع الفضل لأهله وإقصاء من لا يستحق. وإغفال الإقرار بفضل الآخر هو إعلان صريح بالسرقة الأدبية plagiarism التي تعدل الاقتباس بالتَّرْك quotation by omission وهو إغفال ذكر كل من أسهم في العمل بالرأي والنقد والمعلومة والتدقيق اللغوي والتحرير والتزويد بالصور والجداول والبيانات وغير ذلك. وإن كانت قوانين الاقتباس تسقط الحق بالتقادم أو مستثنى من الحماية القانونية فان ذلك حق العرفان للآخر.. وقيل إذا قصرت يداك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر. وقال حكيم أضيع الأشياء أربعة : مطر الجود في أرض سبخة لا يجف ثراها, ولا ينبت مرعاها, وسراج يوقد في الشمس, وجارية حسناء تزف إلى أعمى, و صنيعة تسدى إلى من لا يشكرها. وقال عمر ابن الخطاب من امتطى الشكر بلغ به المزيد. وهذا المزيد الذي المح إليه عمر هو ما أثبتته الدراسات السلوكية من الأثر الايجابي للإقرار بفضل الآخر. *محاضر بكلية الأمير نايف الأمنية