كان يريد أن يكتب لها كان يريد أن يشكرها أن يشكر عينيها ولو من بعيد فقد رأتا أقانيم الحزن وقد أحنت ظهره كان يريد أن يقول الكلمة التي جاء بها المعنى وأن يترك الحجر وهو ينزل إلى الوادي. كان يرى مثلما يرى النائم يدا تلوّحُ له من بعيد وهو كاد أن يفتح عينيه غير أنه غطّ في النوم ثانية وسار في الوديان من جديد قبل أن يرنّ تلفونُ الحياة ويأخذه إلى الشارع. كلبُ الطريق تُدركنا الأيامُ حينما تنأى الأفكارُ تريدُنا والذكرياتُ التي وُجدت لأجلنا، نعودُ اليومَ إليها من بعيدٍ ملوّحين بالكلام الذي نردده كلَّ يومٍ، فنحنُ نسعى على درب التراب، معتلين بالذي كانَ، بالذي صارَ من شأننا، حينما نُسينا وأُبعدُنا تماماً، وهرَّ كلبُ الطريقِ علينا، فعدُنا أدراجنا نلوكُ اللحنَ ونصفره صامتين فيما كان الرملُ يهمي. سوى المرارة تلفحُ وجوهنا بدخانها النارُ التي تأتي من التهلكة وفي الطريق، حينما نمرُّ نرى الأشجارَ ترنّحُ أثمارَها في الهواء لكي تتساقطَ ودائماً نخفي العيوبَ التي فينا نغطيها بأثوابنا البالية وحين تكون في كلامنا نلجأ إلى الصمت أو إلى التأتأة لا شيء هنا، نعرفُه ويخصُنا سوى المرارة التي في لُعابنا. نصفّرُ لحنها في الأغاني التي نصفّرُ ألحانَها صامتينَ كنّا نعودُ من رحلةِ الأسى إلى البيتِ وفي الطريقِ التي نسلكها وابن آوى كان الذئبُ عند الغروب يمرّ أجسادُنا تقشعرُّ وتصطكُّ الأسنانُ خوفاً، فنسرعُ الخطوَ، قبل أن ينقضّ علينا، كنّا نصرخُ عالياً وفي الأحلامِ، نركضُ ونركضُ قبل أن نفزَّ عَرِقينَ، الشمسُ ستشرقُ عما قليلٍ العصافيرُ تطيرُ، وكلُّ شيء على حالهِ كما تركناهُ، كتابُ الأسى مفتوحاً فيما نسيمُ الصباحِ يقلّبُ الصفحاتِ... في الأغاني التي نصفّرُ لحنَها صامتين فيما نحنُ نسيرُ، أمطارُ الحزنِ تهطلُ أجسادُنا التي فقدت ماءها، تنتشي من جديد، فنتركُ مراقدنا لكي نلقي نظرةً على الدنيا في هذا النهار.