الذبابة التي تراها في منزلك تفقس، وتصل لسن البلوغ، وتلتقي بشريك الحياة، وتنجب مئات الأبناء والأحفاد خلال 28 يوماً فقط .. ودورة الحياة هذه قد تكون قصيرة في نظرك ولكنها حسب تصوري تعد بمثابة عمر طويل ومثالي بالنسبة لذبابة المنزل .. وحين نقارن عمر الانسان بكلاب الصيد نجد أن سنة واحدة من حياة الانسان تساوي سبع سنوات من حياة الكلب وبالتالي حين يصل الطفل ببطء لسن العاشرة (ودون أحداث تذكر) يكون الكلب قد بلغ سن السبعين (وقضى حياة مليئة بالنشاط ومطاردة الفرائس)!! وفي الحقيقة رغم أن أعمار المخلوقات تتفاوت بين 3 ساعات ، و300 عام، لايمكن الجزم بكيفية إحساسها وشعورها الداخلي بالزمن .. فهل تشعر الذبابة مثلا أنها تعيش عمرا قصيرا ومستعجلا؟ وهل تدرك السلحفاة العملاقة أنها تعيش 300 عام مملة تقضي نصفها داخل درعها الصلب؟ أم تشعر كلتاهما بذات الزمن وتتساويان مع إحساسنا بمرور السنين والأيام ؟! .. العلماء من جهتهم حاولوا وضع معادلات تستنتج متوسط العمر الذى تصل اليه جميع الكائنات (ولكن كلما وضعوا قاعده لذلك يشذ عنها الانسان كونه مخلوقا ذكيا يمكنه التأثير على متوسط عمره من خلال خياراته الواعية) ... ... فهناك مثلا قاعدة تقول إن الحيوانات التي تخفق قلوبها بشكل أسرع تعيش لوقت أقصر من تلك التي تخفق قلوبها بشكل أبطأ ؛ فقلب الفيل مثلا يخفق 30 مرة فى الدقيقه ويعيش لأكثر من ستين عاما، في حين يخفق قلب حيوان اصغر منه بكثير كالزبابة (وليس الذبابة) 1320 مرة ولايعيش اكثر من عام واحد - وهو ما يذكّرنا بقول أحمد شوقي: دقاتُ قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني !! والحديث عن خفقات القلب وسرعتها يترافق بالضرورة مع الانفاس وعددها : .. فمن المعروف أن كل أربع خفقات يقابلها نفَس واحد ؛ والقاعدة التى تربط معدل النفس بطول العمر تقول : كلما قل عدد الانفاس زاد معدل العمر ؛ فالفيل مثلا يتنفس سبع مرات فى الدقيقة ويعيش لستين عاما ، في حين يتنفس الزبابة (وهو مخلوق يشبه الفأر) 330 مرة بالدقيقة ويعيش لعام واحد فقط!! والعدل الإلهي هنا يكمن فى أن الجميع (صغيرا أم كبيرا ، سريعا ام بطيئا) يتمتعون بأنفاس وخفقات متساوية؛ فجميع المخلوقات تأخذ (200) مليون نفس تقريبا طوال حياتها ولكن المخلوقات الصغيرة تستنفد ماكتب لها من انفاس وخفقات خلال سنوات قليله؛ اما المخلوقات الكبيرة فتستنفد ذات الأنفاس وضربات القلب في سنوات أكثر ووقتا أطول .. لهذا السبب أتصور أن إدراك الزمن وتوالي الاحداث يتساويان (من حيث الاحساس) بين جميع المخلوقات رغم تفاوت الأعوام بينها .. فجميعها (من الذبابة إلى السلحفاة) تمر بذات المراحل العمرية وتشعر مثل البقية بروعة الولادة، وجمال اللقاء، وتجربة الانجاب، وسعادة الوجود بين الأحفاد !! ... وتساوي إحساس المخلوقات بالزمن رغم اختلاف اعمارها (واستثناء الانسان من القواعد العمرية السابقة) يؤكد أن أعمارنا تعتمد في المقام الأول على إحساسنا الداخلي وإدراكنا الذاتي وما نشعر به الآلآلآن .. وبكلام أكثر بساطة .. تظل شاباً طالما شعرت بذلك !