يتداول الناس أحيانا بعض المعتقدات المجهولة المصدر فيرددونها فيما بينهم بتقدير بالغ، ويتعاملون معها كما لو أنها حق لا مراء فيه، فتشيع بينهم رغم أنها قد لا تعدو أن تكون مجرد انعكاس لتجربة فردية نطق بها صاحبها، فلاقت هوى في أسماع الناس، فذاعت وسادت!. من تلك المعتقدات ترديد القول بأن الحب الأول لا يموت أبدا، وأن خفقة الحب الأولى لا ينساها القلب مطلقا، تبقى خالدة يتردد رنينها بين جدرانه، وأنه مهما توالت الخفقات على القلب بمن بعدها، لا شيء منها يقدر على محو آثار الخفقة الأولى. الخفقة الأولى قد تهدأ فتنزوي في ركن ناء تستكين، لكنها لا تغادر القلب أبدا!. هذا القول، يحسن النظر إليه على أنه خرافة من الخرافات، وأسطورة من الأساطير، فليس هناك ما يثبت ويؤكد صدق ذلك الادعاء. فالحب ليس سوى نبتة، إن لم تجد ما يرويها ويغذيها من تبادل المشاعر ومتين الوصال، ذوت وذبلت وماتت. والحب الأول ليس استثناء، فهو لا يمكنه البقاء حيا متى حصره الهجر والتباعد وانقطعت عنه التروية التي تمده بأسباب الحياة. إذن لم يردد الناس أن الحب الأول هو الحب الخالد، وأن كل ما يأتي بعده هو من باب المرور العابر؟، ولم يميلوا إلى تصديق أبي تمام حين يؤكد لهم أنه (ما الحب إلا للحبيب الأول)، وأنهم مهما تنقلوا بين القلوب وعددوا التجارب، لم يجدوا بغيتهم إلا بين ذبذبات الخفقات الأولى؟. إلا أن الحب الأول يرتبط بأيام الصبا وتذكره يبعث في النفس نشوة العودة إلى فصل الربيع في أعوام العمر؟ ربما!! فالقلب حين يخفق لذكرى الحب الأول، هو في الحقيقة يكون ثملا بذكرى الصبا الراحل، وحين يتوهم المرء اشتياقا إلى الحبيب الأول، هو في الواقع، يشتاق جمال ماضيه الذي ولى. الحب الأول جزء من ماضي الإنسان، قد يكون الجزء الأجمل منه، وإن كان ليس بالضرورة الجزء الخالد. الحب لا يتغذى على خفقات قلب واحد، إن لم يلتق القلبان ليخفقا معا، فإنه ميت لا محالة! لكن الناس يحبون العيش في الأوهام الجميلة، وينعمون بتصديق ما ترسمه خيالاتهم، وحين يقولون بحياة الحب الأول وعدم تلاشيه فإن ذلك يمدهم بتخيلات تسعدهم، فيبنون لأنفسهم داخل شرنقة الأوهام مسكنا تتقافز فيه عصافير الكناري، وتنساب على نوافذه قطرات المطر، وتزين جدرانه قصائد الحب. في داخل تلك الشرنقة يمكن للناس أن يقبضوا على السعادة التي غالبا تتفلت من أيديهم، فالأوهام أكثر مهارة من جني الخاتم المشهور في قدرتها على تحقيق الرغبات، وتجسيد الأمنيات، الأوهام تصور الحبيب الأول باقيا كما كان، ينتظر على عروش من بساتين الوفاء وجنات الإخلاص، يحمل في يديه قناديل الحنين والاشتياق، وتبرق في عينيه اللهفة إلى اللقاء! وهم جميل، أساسه بناء هش، لكنه مع ذلك يسعد القلب الذي لا يزال مشدودا إلى الوراء. ص. ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة