هكذا إذن.. بين جميع الفنون والمواهب المشاركة في برنامج " Arabs' Got Talent"؛ فاز الشعرُ وإن كان "حلمنتيشياً"؛ إذ يبدو أن ذائقة الجمهور العربي لا تزالا تنحاز إلى فنون القول الشفهية (الشعر) والمتأصلةُ منذ قديم الزمن. هذا هو المتسابق المصري عمر قطامش ينتزع المركز الأول، بمجموعة أبيات ساخرة؛ من النوع الذي يمزج الفصيح بالشعبي والمحكي بالهزلي في قالبِ أسلوبٍ "حكواتي"، برع المتسابق المصري في تقديمه واستلهام موضوعاته من اللحظة العربية الراهنة وجملة المشكلات والهموم المحيطة؛ مستفيدا أيضا من فن "المونلوج" والذي اشتهر به اسماعيل ياسين في بداياته؛ إلى جانب إدخال بعض اللوحات الراقصة، كمتطلب تقترحه طبيعة الوقوف على مسرح "البلاتوه". غير أن منافسة وفوز "الشعر الحلمنتيشي" في الدورة الأولى من "Arabs' Got Talent"؛ يكشف كذلك عن أمرين، الأول: إننا حقا أمة عاطفية (وهذا ليس عيبا) تؤثر فينا الكلمة وخاصة ذات النغمة الشعرية التي تستدرجنا إلى مناطق مشحونة بالحزن والمرارة، كقضية فلسطين وحصار غزة و الثورات العربية والتي أجاد المتسابق المصري اللعب على وترها، في دلالة على أن الجملة "الخطابية" لا تزال لها وطأة في إذن ووعي الجماهير العربية. الأمر الآخر هو أن الشعر من الفنون التي تقوم على الاتصال الشفهي أو المكتوب، وهي بالتالي فنون بسيطة على مستوى الاتصال بين الفنان المرسل والجمهور المتلقي؛ بينما كثير من الفنون والمواهب المشاركة في البرنامج (رقص غربي ورسم..الخ)، اعتمدت لغة الجسد والبصر؛ ذات المستوى المركب في الاتصال بين الفنان والجمهور؛ وهو ما يؤكد من جهة أخرى انحياز الجمهور العربي حتى الآن، إلى الشكل البسيط من الاتصال الفني (اللغة و الشعر). أما بالنسبة للجنة التحكيم فقد كان لها تأثير واضح على خيارات المشاهدين قبل وأثناء عملية التصويت، من خلال انحياز ذائقتها ورأيها ومزاجها إلى هذا المتسابق أو ذاك، ومن هنا نسأل: هل سيستمر أعضاء لجنة التحكيم إلى الدورة الثانية؟. هذا مالا نتمناه، خصوصا وأنها تضم عضوين من بلد واحد (علي جابر، نجوى كرم) وهو ما أثر بصور واعية أو لاواعية على قرارات لجنة التحكيم ليس انحيازا إلى المتسابقين اللبنانيين؛ -وهو ما حدث- وإنما من أجل فهم أشمل لطبيعة وخلفيات المواهب العربية المشاركة من المحيط إلى الخليج، وبالتالي، يستحسن أن يستبدل أو يدرج البرنامج، محكمان من الخليج والمغرب العربيين؛ بعد أن شاهدنا أعداد المواهب الكبيرة التي جاءت من هاتين المنطقتين. أخيراً، فإن فوز "قطامش" بقدر ما هو انتصار "للشعر الساخر" وللذائقة العربية التقليدية هو أيضا إنقاذٌ للبرنامج في نسخته العربية الأولى.. فكيف كنا سنتصور البرنامج لو ظفر بجائزته، متسابق عربي دخل المسابقة برقصة لمايكل جاكسون؛ أو بأغنية "أوبرا" لبافروتي؟. حسنا يبقى الشعر "الحلمنتيشي" عربيا.. وإن لم يكُ من أرقى الفنون!.