قام رئيس الوزراء الباكستاني، يوسف رضا جيلاني، بزيارة للهند حضر خلالها مباراة في الكريكيت، أجريت بين البلدين يوم الأربعاء الثلاثين من آذار/ مارس 2011، في بلدة موهالي الهندية. وكان رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، قد وجه دعوة بهذا الخصوص لكل من جيلاني والرئيس الباكستاني، آصف علي زرداري. وقررت إسلام آباد الاكتفاء بإيفاد رئيس وزرائها. وقال بيان للحكومة الهندية إن سينغ كتب في رسالة إلى الرئيس الباكستاني قائلاً: "تنطوي المباراة على إثارة كبيرة. ونحن جميعاً نتطلع إلى مباراة كريكيت رائعة ... سيكون هذا انتصاراً للرياضة". وقال سينغ في رسالته: "يشرفني دعوتكم لزيارة موهالي، ومشاركتي أنا وملايين المشجعين من بلدينا في مشاهدة المباراة". إضافة إلى الاعتبارات المحلية، في كلا البلدين، التي تدفع باتجاه السعي نحو التهدئة والتوافق، فإن تحسن الروابط بين نيودلهي وإسلام آباد يمثل حاجة إقليمية لا لبس فيها، تتبدى على نحو خاص في ضوء الانسحاب القادم لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان. وفي خطوة هدفت تعزيز مناخ الثقة، قررت باكستان السماح لمحققين هنود بالسفر إليها للتحقيق في هجمات مومباي، التي جرت في العام 2008. وجاء هذا القرار بعد محادثات ثنائية، جرت في نيودلهي، أواخر آذار/ مارس الماضي، وضمت وزيرا داخلية البلدين. وقد مهد هذا الحوار لاجتماع وزاري، يعقد في تموز/ يوليو 2011، لبحث قضايا مثل كشمير، والتعاون الأمني، فيما يعرف باسم "الحوار المركب". وكانت الهند وباكستان قد اتفقتا في شباط/ فبراير الماضي على إجراء محادثات سلام رسمية بينهما. وفي بادرة حسن نوايا أخرى، قرر الرئيس الباكستاني الإفراج عن المواطن الهندي جوبال داس، المحتجز منذ 27 عاماً في سجون باكستان بتهمة التجسس. وقد جمدت الهند اتصالاتها بباكستان بعد هجمات مومباي، كما شعرت بالإحباط، مما بدا أنه إحجام باكستاني عن محاكمة مرتكبي الهجمات. وهو الأمر الذي زاد من تدهور مناخ الثقة بين الجانبين. وفي التاسع والعشرين من نيسان/ أبريل 2010، اختتمت في بوتان القمة السادسة عشرة لرابطة دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك)، بتحقق إنجاز سياسي، تمثل في اجتماع ثنائي ضم كلاً من سينغ وجيلاني. وكان ذلك الاجتماع الأول بين الزعيمين، منذ محادثاتهما في شرم الشيخ، في تموز/ يوليو من العام 2009. وقالت المصادر الباكستانية حينها أن كلاً من رئيسيْ الوزراء وافق على عدم استخدام أرضه ضد الآخر. وأن الجانب الباكستاني أكد أن المسؤولين عن هجمات مومباي "سوف يقدمون إلى العدالة". وخلال محادثات شرم الشيخ، توصلت الدولتان إلى اتفاق ينص على أن "العمل الخاص بمواجهة الإرهاب يجب أن ألا يرتبط بعملية الحوار المتعدد الأوجه.. وأن الإرهاب هو التهديد الأساسي لكلا البلدين". وتطالب الهند باكستان بمعاقبة مسلحين يشتبه في تدبيرهم هجمات مومباي، ووقف تسلل المسلحين إلى الشطر الهندي من كشمير. كما تراقب نيودلهي عن كثب كيفية محاكمة إسلام آباد لسبعة أشخاص يشتبه في تورطهم بهجمات مومباي، واعتقلتهم السلطات الباكستانية بالفعل. وسبق لباكستان أن سعت، قبل سنوات، إلى استرضاء الهند، بإعلان أحادي الجانب بخفض قواتها في المنطقة الحدودية، إلا أن تلك الخطوة لم تسفر عن نتيجة في حينها. وفي ربيع العام 2009، رأت صحيفة(The News) الباكستانية، أنه كان من الصعب على حزب المؤتمر الوطني استئناف المحادثات مع باكستان قبل الانتخابات النيابية الهندية التي جرت يومذاك، وذلك خوفاً من فقدان رصيده بين الناخبين.إلا أن الطريق – حسب الصحيفة - أصبحت معبدة أمامه، "وباستطاعة مانموهان سينغ العودة إلى المحادثات بطاقات جديدة، وهو متحرر من ضغوط ومطالب الانتخابات". أما صحيفة (Hindu ) الهندية، فقد رأت أن فوز حزب المؤتمر الوطني من شأنه أن يحد من التوترات القائمة بين نيودلهي وإسلام آباد، ويدفع باتجاه البحث عن وسائل خلاقة لاستئناف المفاوضات. وكان سينغ، قد صرح بعد توليه منصبه لأول مرة، في أيار/ مايو من العام 2004 ، أنه يريد دفع عملية السلام مع باكستان إلى الأمام. وقال حينها: "نريد أن نُقيم علاقات ودية جداً مع جيراننا.. مع باكستان بشكل خاص، أكثر من أي بلد آخر". ورأى سينغ أنه من الضروري جداً البحث عن كل ما من شأنه القضاء على مصادر التوتر مع إسلام آباد. وأنه متفائل بهذا الشأن. وأضاف: "من كان يأمل أن ينهار جدار برلين؟ إذا كان من الممكن أن يحدث ما كان يعد مستحيلاً، فلماذا لا يحدث في حالتنا؟" وقد اندلعت ثلاث حروب بين الهند وباكستان على خلفية النزاع على كشمير، كانت الأولى في العام 1947 1948، أي بعيد استقلال البلدين مباشرة. والثانية في العام 1965، والثالثة في العام 1971، حين تدخلت الهند لدعم المجموعات التي اشتبكت مع الجيش الباكستاني في البنغال، في حرب أهلية أسفرت عن ولادة دولة جديدة هي بنغلاديش. وفي العام 1999، كاد البلدان يدخلان في مواجهة عسكرية شاملة في مرتفعات كارغيل. وفي كانون الأول/ ديسمبر من العام 2001، بدا البلدان على شفا حرب جديدة، بعد الهجوم الذي تعرض له البرلمان الهندي، والذي اتهمت بالتورط فيه جماعات كشميرية تتخذ من باكستان مقراً لها؛ وحيث أدى ذلك إلى نشر نحو مليون جندي على طرفيْ الحدود، تم خفض تعدادهم لاحقاً. وفي نهاية كانون الأول/ ديسمبر من العام 2002، كشف الرئيس الباكستاني حينها، برويز مشرّف، عن أنه حذر رئيس الوزراء الهندي آنذاك أتال بيهاري فاجبايي، في رسالة نقلها عدد من زعماء العالم، من خطر اندلاع حرب غير تقليدية، إذا عبرت القوات الهندية خط المراقبة في كشمير. واعتبر مشرّف أنه من غير ذلك التحذير فإن حرباً جديدة كان من الممكن أن تندلع بين البلدين. وفي التأصيل الأكثر عمقاً للمعضلة القائمة، تبرز قضية كشمير باعتبارها حجر زاوية في أية مقاربة للعلاقات الهندية - الباكستانية. وقد عرض البلدان هذه القضية على مجلس الأمن الدولي منذ كانون الثاني/ يناير 1948. وانصرف المجلس إلى معالجتها عبر عدد من القرارات، تضمنت اتفاقاً لوقف إطلاق النار في جامو وكشمير,واتفاقية للهدنة بين البلدين، وإجراء استفتاء محلي، وفق ما جاء في قرار المجلس رقم (726)، الصادر في 13 آب /أغسطس من العام 1948. وقد سارعت الهند لرفض هذا القرار، ولا تزال عند موقفها. وبالطبع، فإن أحداً في باكستان لا يستطيع أن يغامر بالتخلي عن قضية كشمير، بل إن دعم هذه القضية مثّل طوال ستة عقود ركناً أساسياً في شرعية كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة في إسلام آباد. كذلك، تفرض كشمير نفسها على حسابات المخططين الاستراتيجيين في باكستان، فهي تحتل موقعاً حيوياً بين وسط آسيا وجنوبها؛ حيث تشترك في الحدود مع أربع دول، هي الهند وباكستانوأفغانستان والصين. كما تعتبر باكستانإقليم كشمير حيوياً لأمنها القومي، بسبب وجود طريقين رئيسيين وشبكة للسكة الحديد تجري بمحاذاته. والأهم من ذلك، فإن ثلاثة أنهار رئيسية تنبع من الأراضي الكشميرية، تمثل قضية فائقة الحيوية لأمن باكستان القومي. وأياً يكن الأمر، فإن شيئاً من الثقة قد أخذ طريقه اليوم إلى مناخ العلاقات الهندية - الباكستانية، رغم كافة التحديات الماثلة. وإضافة إلى الاعتبارات المحلية، في كلا البلدين، التي تدفع باتجاه السعي نحو التهدئة والتوافق، فإن تحسن الروابط بين نيودلهي وإسلام آباد يمثل حاجة إقليمية لا لبس فيها، تتبدى على نحو خاص في ضوء الانسحاب القادم لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان. وفي الأصل، يُنظر إلى إعادة الاستقرار بين نيودلهي وإسلام آباد باعتباره إحدى ضرورات نجاح السياسة الأميركية في أفغانستان. وخاصة لجهة تخفيف وجود القوات الباكستانية على الحدود الهندية، والسماح لها بالتركيز على الحدود الأفغانية. وما يمكن قوله خلاصةً، هو أن تحوّلاً ايجابياً وذا مغزى قد طرأ على مناخ العلاقات الهندية - الباكستانية، ويمكن البناء عليه. ويجب التذكير دائماً بأن تحسن العلاقات الهندية - الباكستانية، واستقرارها يُمثلان حاجة لا غنى عنها للأمن الدولي..