** خلال مباريات كأس العالم التي شارك فيها منتخب المملكة آخر مرة، رأيتها مع الجماهير أول مرة، وكانت ترتدي العلم السعودي. حينها قال لنا والدها، هذه ابنتي منى؟! كان يبدو عليه الاعتزاز حينها، رغم أن الموقف لم يكن سوى مباراة كرة قدم خسر فيها المنتخب. غير ان اعتزازه الآن لابد أن يكون قد بلغ مداه وهو يراها تتبوأ أهم منصب في معهد العالم العربي بباريس، تلك هي الأستاذة منى خزندار التي انتصرت ل «المنتخب»، أي لها، ولبلادها، وللمرأة السعودية على وجه الخصوص، أما والدها فهو استاذنا الكبير عابد خزندار، أهم رائد للتجديد والحداثة في الثقافة السعودية. وريادة استاذنا الكبير تفوق أهميتها محليتها؛ لأنه يعد من أهم المثقفين العرب الذين برزوا خلال الربع قرن الأخير، ولاسهاماته دور كبير في تجديد الطرح الفكري والفني، ولعلنا نذكر له آخر اسهاماته حول القرآن الكريم، وحول الحرم المكي، اضافة إلى كتبه الكثيرة التي تفوق أهميتها الكثير مما فاقها شهرة على المستوى المحلي والعربي.. وإن كنا نعتب عليه عدم تركيزه في دور ذلك الجيل الذي تتلمذ عليه، من أمثال الأستاذ عبدالله عبدالجبار، الذي لم يحظ بالتقدير الذي يليق به من أبناء الأجيال التالية لجيل عابد خزندار التي لا تعرفه، أو تعرف طبيعة دوره التاريخي الذي يظل غامضاً وغائباً، ويحتاج من أمثال عابد خزندار لاجلاء غموضه ووضعه في سياقه الصحيح. وهذا بالطبع لا يقلل من أهمية الدور الذي لعبه الأستاذ عابد في الثقافة المحلية، خاصة من خلال مبادرته لنشر معظم محتويات مؤلفاته الثرية عبر نشرها تباعاً في جريدة «الرياض»، إذ كانت تحظى بمتابعة واسعة من عموم القراء المهتمين بالشأن الثقافي. وإذا كنت قد بدأت بمحاولة الإشادة بالأستاذة منى خزندار من دون معرفة سابقة بمكوناتها الثقافية.. إلا أنني أعرف أنها درست في مراحل مختلفة في سويسرا، وأكملت دراستها في فرنسا، وهي على خطى والدها، لها اهتمامات ثقافية واسعة ليس أقلها الفنون التشكيلية والموسيقى والمكونات الثقافية الأساسية، من قصة، ومسرح، ورواية، وشعر، هذا اضافة إلى دورها المهم في خلق لغة تواصل سعودية فرنسية من خلال مختلف الفعاليات السعودية التي أقيمت هناك. ولاشك أن التقدير الذي أبداه معالي وزير الثقافة والإعلام لاختيارها كان له أبلغ الأثر في نفوس كل المثقفين الذين تابعوا فعاليات تكريم الأستاذ المرحوم العطار.. والذين يعرفون حقيقة التقدير الذي يكنه معالي الوزير لدور المرأة السعودية، حيث إنه يعد من أبرز الداعمين لهذا الدور. ولعل هذه العجالة، ليست سوى بادرة صلح للأستاذ الكبير عابد خزندار، الذي ربما يكون قد أنزعج مني ذات مرة، أو شابت نفسه شائبة لعدم معرفته محبتي العميقة له، وبتقديري العميق لأهمية دوره الريادي في حركة التجديد في بلادنا.