قال تعالى: (إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً).. والدي الغالي كان لدي يقين دائم بأن الله سبحانه وتعالى لن يضيع اخلاصك في عملك طيلة سنوات خدمتك في الدولة، منذ كنت مفتشاً يافعاً في ديوان المراقبة العامة، مروراً بمسيرتك المميزة والنزيهة كوكيل لوزارة المالية، وأخيراً كرائد من الرواد المؤسسين لمجلس الشورى في سنواته الأولى. وازددت يقيناً بعد ان رأيتك حتى بعد انهاء مسيرتك المهنية وحسك المسؤول مازال متوقداً داخلك، فاستثمرت خبرتك وحنكتك الإدارية الطويلة في بحث أحوال وطنك، وأتت مقالاتك الأسبوعية لسنوات تحمل لنا كل أسبوع قضية تهم كل مواطن ومسؤول في هذه البلاد الحبيبة. والدي العزيز: لا أخفيك سراً بأني لم أكن أسعد بقراءة مقالاتك بقدر ما كنت أتألم وأنا أرى نموذجاً صادقاً لمسؤول همه الأوحد هو الوطن، همه تحسين أوضاع كل مواطن ومواطنة، همه ان يرفع المعاناة عن كاهل كل بائس، ان يمد يد العون لكل الذين لم يجدوا من يستمع إليهم أو حتى يفكر فيهم! قد تستغرب عندما أقول لك إنني بقدر سعادتي وأنا أقرأ كل اثنين مقالاً من مقالاتك تتحدث فيه عما يشغلك من أحوال الوطن كنت أحزن، لأنني - وأصدقك القول - كنت أشعربأن ما تقوله يؤلم أكثر مما يفيد! كنت أقول لنفسي: وما الفائدة؟ ولا أحد يسمع! كل ما يقوله أبي حقيقي وصادق، ولكن هل من مجيب؟ أو حتى من يفكر في كيفية الاستفادة من اقتراحاته المخلصة الصادقة؟! كنت أحياناً أتجنب قراءة ما تكتب لأني لم أكن أملك الاجابة حين تطلب رأيي في مقالك الأخير (كما هي عادتك عندما يكون الموضوع المثار يهمني كمواطنة أو كموظفة في قطاع التربية والتعليم).. هذا - يا أبي - صراحة ما كنت أشعر به. لطالما كنت أفكر: وماذا بعد؟ من المسؤول الذي سيأخذ بهذه الحلول الواقعية التي تطرحها في مقالاتك ليتبناها ويطبقها فيقضي على بعض من المشاكل التي حولتنا إلى مواطنين مهمومين في وطن سعيد! أصدقك القول: لم أكن متفائلة.. كنت حزينة لأن كل ما تكتبه حبر على ورق. أتقاسم معك ألمك وهمك - شأن كثير من القراء - وأنت تقابل شاباً سعودياً مخلصاً يعمل بائعاً في متجر للأواني المنزلية (كما ذكرت في إحدى مقالاتك وأنت تتحدث عن تجربة شخصية). مسني هذا الألم كما مس أي مواطن سعودي غيور على أبناء وطنه، لا لأننا نأبى ان يعمل أبناء وطننا بائعين أو حتى عمالاً، بل لأن شبابنا دائماً متهمون - زوراً وبهتاناً -بأنهم متكبرون على هذه الوظائف البسيطة، وفي نهاية المطاف حتى هذه الوظائف لم تعد متاحة لهم! لقد عانيت - يا أبي - معك وانتقلت لي من خلال مقالاتك كل هموم وطني وتبنيت معك كل قضايا اخوتي من أبناء هذا البلد الغالي، ولم أكن أملك إلاّ الدعاء بأن يصل صوتك إلى أي مسؤول يحيي بداخلنا الأمل بأن هناك شيئاً سيتغير للأفضل. حمداً لله - جلت قدرته - فها هو صوتك لم يصل إلى أي مسؤول فحسب، بل إلى أكبر مسؤول! أحمده - على عظيم فضله - فما ظننته حبراً على ورق كان يسكن قلب ملك شجاع ألهمته طروحاتك الصادقة ليحدث تغييراً حلمنا به طويلاً وها نحن نراه واقعاً على يد والدنا المخلص عبدالله بن عبدالعزيز. شكراً - والدي الغالي عبدالله - فقد أعدت لي ثقتي في ان العمل المخلص له الأولوية في وطننا الحبيب. شكراً - والدي الغالي عبدالله - فقد أعدت لي الأمل بأن النزاهة والتفاني في العمل لهما كل التقدير في زمن عز فيه التقدير لأصحابهما. وأخيراً، شكراً - والدي الغالي عبدالله - ان منحتني السعادة وأنا أرى أبي في المكان الذي يليق بأمثاله الأوفياء لهذا الوطن الذي اسأل الله ان يحفظه لنا ويديم علينا أمنه واستقراره ورخاءه.