جاء قرار الرئاسة العامة لرعاية الشباب بتشكيل فريق عمل لدراسة التخصيص وتطوير الاستثمار الرياضي مكملا لسلسلة طويلة من التحركات التي هدفت إلى إيجاد أرضية ملائمة لنقل الأندية السعودية من أوضاعها المالية الحالية إلى أوضاع أكثر استقرار عبر تفعيل إمكانيات إيجاد موارد إضافية لدعم نشاطاتها، فمن بين (153) نادياً سعوديا تملك خمسة أندية فقط (الهلال والاتحاد والشباب والنصر والأهلي) عقود رعاية مع شركتين من شركات الاتصالات، وهي شركة (موبايلي) التي ارتبطت بعقد شراكة إستراتيجية مع نادي الهلال وشركة (الاتصالات السعودية) التي ترعى الأندية الأربعة الأخرى، وقد حقق الاستثمار الرياضي الذي بدأ بدايات متواضعة قفزات متنوعة، حيث ارتفع عقد رعاية المنتخب السعودي الذي ابرم مع شركة (صلة) وتعود عوائده إلى اتحاد كرة القدم من ثمانية ملايين إلى 150 مليوناً، وعقد النقل التلفزيوني الذي قفزت أرقامه من عشرة ملايين ريال إلى 150 مليوناً، في حين أن غالبية الأندية السعودية التي تلعب في دوري المحترفين المكون من 14 ناديا لا تملك عقود رعاية وتعتمد على إيرادات غير مضمونة تحصل عليها من موارد تتمثل في عوائد النقل التلفزيوني، ودخل الجماهير، وإعانة الاحتراف، بالإضافة عقود إعلانية غير ثابتة، في حين تأتي بقية الدعم من إداريي وشرفيي تلك الأندية، والحالة الأخيرة تنطبق تماما على بقية أندية المملكة الأخرى التي تعتمد على الإعانة التي تقدمها وزارة المالية لتسيير نشاطاتها إضافة إلى ما يقدمه شرفيوها. ويجد موضوع التخصيص وتطوير الاستثمار الرياضي في المملكة سوابق متعددة وتاريخا طويلا من التوصيات والقرارات الحكومية التي صدرت من جهات عليا دعت إلى ذلك الاستثمار وطالبت بتنشيطه، وقد كانت البداية في هذا المجال بقرار صدر من مجلس الشورى عام 1421ه قضى بتخصيص الأندية السعودية الكبرى والمنشات الرياضية التي أقامتها الدولة، ثم صدر عام 1423ه قرار من مجلس الوزراء تضمن عددا من الأنشطة اُستهدفت بالتخصيص ورد من بينها الأندية الرياضية، تلاه قرار آخر من المجلس عام 1424ه تضمنت إحدى فقراته طلب الإسراع في تخصيص الأندية الرياضية الكبيرة، كما صدر عام 1426ه قرار من مجلس الوزراء بالسماح باستثمار الأراضي المخصصة للأندية الرياضية والمسجلة باسم أملاك الدولة لمصلحة الرئاسة العامة لرعاية الشباب من قبل الأندية نفسها، كما طلب مجلس الشورى عام 1429ه من الرئاسة العامة لرعاية الشباب البدء في إجراءات تخصيص الأندية الرياضية الكبرى، وصدر كذلك قرار من مجلس الوزراء عام 1431ه قضى بالسماح للأندية بإنشاء أكاديميات رياضية على الأراضي المخصصة لها وفقاً لعدد من الضوابط ويأتي أهمها أن تنشئ الأندية بنفسها هذه الأكاديميات وبتمويل ذاتي، وأن تكون عوائد تشغيل الأكاديمية لحساب النادي الذي أنشئت فيه، وأن تنشئها الأندية من خلال القطاع الخاص بموجب عقود تبرم لهذا الغرض. ويلاحظ المراقبون انه رغم صدور قرار مجلس الوزراء القاضي بالسماح باستثمار الأراضي المخصصة للأندية الرياضية بتاريخ 30/12/1426ه، فان ضوابط تطبيق القرار صدرت بتاريخ 10/3/1432ه، أي أن الرئاسة احتاجت إلى مدة تجاوزت (5) سنوات لتصيغ الضوابط التي ستحكم تنفيذ قرار مجلس الوزراء، وهو ما يعني أن تحركات الرئاسة في دعم هذه القرارات العليا يأتي بطيئا ولا يتلاءم مع القفزة المطلوب إحداثها، كما يرى المراقبون أن إقرار الرئاسة مشروع الضوابط ليس سوى خطوة أولى إيجابية تصب في مصلحة الأندية والرياضة السعودية، لكنها خطوة قصيرة المدى ستؤدى إلى حل مشكلة وقتية فقط، حيث يرون أن الرئاسة حاولت دائما تفادي تطبيق قرارات مجلسي الشورى والوزراء التي تقضي بتخصيص الأندية السعودية الكبرى، وذلك لعدم رغبة الرئاسة في فصل كيانات الأندية عنها لتتحول تلك الأندية إلى كيانات تجارية بحتة تستطيع استغلال مواردها للحصول على الأرباح مثلها في ذلك مثل المؤسسات الربحية الأخرى مما يعود على الرياضة السعودية بآثار ايجابية لا تخفى، كما يرى المراقبون أن الرئاسة لم تتحرك أو تقم بأي خطوة في سبيل تطبيق قرارات مجلسي الشورى والوزراء التي تقضي بتخصيص المنشات الرياضية التي أقامتها الدولة، ويرون أن أول تلك المنشات التي يلزم تخصيصها هو مستشفى الطب الرياضي الذي يمكن وبسهولة إدارته وتشغيله وصيانته من قبل القطاع الخاص، وكذلك المدينتين الساحليتين في جده والدمام اللتين يمكن كذلك للقطاع الخاص إدارتهما وتشغيلهما وصيانتهما وتفعيل برامجهما وأنشطتهما، ويؤكد المراقبون أن عملية التخصيص بشكلها التقليدي المعروف سواء للأندية أو للمنشات مرتبطة بالحاجة إلى إعادة هيكلة جهاز الرئاسة العامة لرعاية الشباب وهو القطاع الحكومي المسئول عن الشباب والرياضة في المملكة، وان ذلك مرتبط أيضا وبشكل حيوي ورئيسي بضرورة فصل السيطرة الحالية للرئاسة العامة لرعاية الشباب على اتحاد كرة القدم بحيث اصبح الاتحاد من الناحية العملية وكأنه إحدى إدارات الرئاسة. وتشير المعلومات المتوافرة عن واقع الاستثمار في الرياضة السعودية إلى أن التحركات التي أدت إلى طرح عقد النقل التلفزيوني لمباريات دوري المحترفين السعودي والحصول على عائد مالي من خلاله، وكذلك تحول دخل تذاكر المباريات إلى خزائن الأندية بعد امتلاكها لحقوق التسويق والبيع إضافة إلى إعلانات الملاعب والقمصان، قد أدى إلى ضخ بعض المبالغ لصالح الأندية، إضافة إلى عقود رعاية الأندية التي انتقلت من مجرد الإعلان على القمصان مقابل مبالغ سنوية قاربت (50) ألف ريال إلى عقود الرعاية السنوية الكاملة بقيمة وصلت إلى (70) مليون ريال، أن هذه الخطوات تساعد على البدء في تخصيص الأندية نفسها لما لذلك من فائدة تؤدي إلى تخفيف العبء الحالي لمصاريفها عن مالية الدولة، وما سيعود به ذلك من أثار ايجابية على تطور الكرة السعودية، غير أن ذلك مرتبط بخلق أرضية قانونية صلبة لعملية التخصيص عبر الأنظمة والتشريعات التي يجب أن تستمد من تجارب الدول الأخرى بحيث تنظم علاقات أطراف العلاقة الرياضية وتوضح حقوق وواجبات كل طرف، ولكن الإطار التشريعي المطلوب المفترض صدوره عن الرئاسة العامة لرعاية الشباب غائب إلى إشعار أخر، إضافة إلى انه إذا نظرنا إلى نشاط كرة القدم فسيتضح أن التأخر الزمني وعدم إشراك الأندية في القرار جانبان سلبيان رافقا التجربة. ويمكن التدليل على التأخر الزمني وعدم إشراك الأندية في القرار بعقد النقل التلفزيوني للمباريات الذي أعلن اتحاد كرة القدم في بداية عام 2009 عن تمديده مع محطة (ART) لموسمين قادمين بمبلغ 300 مليون ريال بواقع 150 مليون ريال للسنة الواحدة، ووفقا للخبر الذي بثته وكالة الإنباء السعودية فقد أوضح وكيل الرئيس العام للشؤون المالية ورئيس اللجنة المالية بالاتحاد أن هذا القرار تم اتخاذه بعد مناقشة ودراسة اتحاد كرة القدم ما (عرضته المحطة الحصرية من امتيازات لصالح الأندية السعودية)، كما ذكر الخبر بأن العقد الممدد ينص على النقل التلفزيوني للمباريات التي ينظمها الاتحاد ولا ينقلها التلفزيون السعودي، إلى جانب المشاركة في نقل المباريات التي ينقلها التلفزيون السعودي والمقدرة عددها بما لا يزيد على 90 مباراة في الموسم الواحد، ويشمل أيضا جميع المسابقات والبطولات المحلية التي ينظمها الاتحاد السعودي لكرة القدم ويملك حقوقها، غير أن الملاحظ أن هذا القرار بنقل مباريات الأندية لم تشارك الأندية نفسها في اتخاذه أو تحديد مبلغه أو حتى تقرير كم هو العائد الذي سيعود لها، حيث اقتصر اتحاد كرة القدم على كل هذه القرارات دون مشاركة الأندية عندما أعلن الاتحاد في شهر مايو لعام 2009م عن اعتماد توزيع العائد المالي من تمديد العقد الحصري لحقوق البث التلفزيوني للموسمين المشار إليه، بحيث خُصص لجميع أندية الدرجة الممتازة مبلغ (84) مليون ريال لكل موسم رياضي بواقع أربعة ملايين ريال لكل ناد، وخُصص مبلغ 21 مليون ريال لأندية الدرجة الأولى لكل موسم رياضي بواقع مليون وخمسمائة ألف ريال لكل ناد، و خُصص مبلغ (4,900,000) ريال لأندية الدرجة الثانية لكل موسم رياضي بواقع (350,000) ريال لكل ناد، أي أن مجموع ما خصص للأندية في الدرجات (الممتازة والأولى والثانية) في الموسم الواحد يبلغ (73,900,000) ريال، أي مبلغ (147,800,000) ريال خلال موسمين، في حين يتبقى لاتحاد كرة القدم مبلغ (152,200,000) ريال، أو بنسبة (50,73%) لاتحاد الكرة والباقي مبلغ (49,27%) لجميع الأندية المنقولة مباراتها، وقد أثار ذلك التخصيص التساؤل حول أسباب عدم مشاركة أندية الدرجة الممتازة التي تشارك في دوري المحترفين في تحديد آلية تقسيم المبالغ، وحول كيف تمنح تلك الأندية مبالغ ضعيفة مقارنة بأندية الدرجات الأخرى عطفا على أنها هي التي يتم نقل مبارياتها بكثرة، وكيف تتم مساواة الأندية التي تنقل مبارياتها بكثرة مع تلك التي لا ينقل إلا عدد محدود من مبارياتها؟ كما ثارت تساؤلات عن معايير ذلك التقسيم، وهل استند إلى لائحة معتمدة قانونياً يوجد بها معايير محددة وواضحة للتقسيم، ولماذا خُصص لاتحاد كرة القدم النسبة الأكبر وتركت للأندية النسبة الأقل، ولماذا لم يكن العكس بحيث تعطى الأندية النسبة الأكبر ويأخذ الاتحاد النسبة الأقل. وإضافة إلى ما تقدم فقد شاب عقد النقل التلفزيوني ثغرات قانونية كان يفترض تغطيتها قبل إبرامه، حيث باعت محطة (ART) عقد النقل إلى محطة (الجزيرة الرياضية)، دون أن يمتنع اتحاد كرة القدم عن الموافقة على نقل العقد إلى (طرف ثالث)، أو أن يطالب بمبالغ إضافية نتيجة انتقال الحقوق إلى ذلك (الطرف الثالث)، وإضافة إلى ذلك فان مستحقات الأندية عن نقل المباريات للعام الماضي لم يتم دفعها من قبل محطة (ART)، وهو ما يعني أن اتحاد كرة القدم لم يضمّن عقد النقل التلفزيوني المبرم مع المحطة شرط تقديم (ضمان مالي) يتم الاحتفاظ به إلى نهاية العقد ضمانا لأداء المحطة لالتزاماتها المالية للأندية دون تأخير، ويمكن كذلك التدليل على التأخر الزمني وعدم إشراك الأندية في القرار بعقد النقل التلفزيوني للمباريات للمواسم القادمة الذي يفترض أن يبدأ مع بداية الموسم الرياضي القادم بعد نهاية فصل الصيف، حيث انه إضافة إلى عدم إشراك الأندية في تحديد شروط النقل، لم يتم حتى الآن طرح العقد للمنافسة، وهذا التأخير غير المبرر وغير العملي يستغربه المراقبون لوضع الاستثمار الرياضي. وتتضمن الملاحظات السلبية لواقع الاستثمار الرياضي في المملكة إهمال هيئة دوري المحترفين التي أوجب الاتحاد الأسيوي لكرة القدم تأسيسها كشرط للمشاركة في دوري المحترفين الأسيوي إشراك الأندية في اتخاذ قرارات الهيئة، حيث تداخلت وتشابكت الأمور من عدة نواحي قانونية ومالية بين الأندية ورعاتها (شركة موبايلي وشركة الاتصالات السعودية)، وبين هيئة دوري المحترفين وراعيها (شركة زين) الذي ارتبطت معها بعقد قيمته (300) مليون ريال لمدة خمس سنوات، حيث تولت هيئة دوري المحترفين الإشراف على ما يتعلق بحقوق الرعاية والتسويق والنواحي التجارية بشكل عام، دون أن يكون للأندية المشاركة في الدوري أي دور في تقرير مسؤوليات أو نطاق عمل الهيئة، أو حتى الموافقة على حقوق الهيئة وتقرير حقوق الأندية نفسها فيما يخص العائدات المالية وغيرها من حقوق، فالأندية التي باعت حق شعاراتها وحق دخل المباريات التي تقام على أرضها لشركاتها الراعية، اكتشفت أن الهيئة ستضع شعار شركتها الراعية على ملابس الأندية، كما ستضع شعار الشركة الراعية داخل الملاعب خلال المباريات التي تستضيفها الأندية، وذلك كله دون أن توافق الأندية على ما قامت به الهيئة، أو أن تقوم الهيئة بتوقيع اتفاقية شاملة تحدد بشكل واضح ما لها وما عليها عند الاشتراك بدوري المحترفين، وهي التجربة التي اخذ بها اتحاد كرة القدم الإماراتي في نهج جديد يهدف إلى توثيق الخطوات واللوائح والقوانين الاحترافية بشكل يؤدي للانتقال إلى واقع أكثر تطورا بأفاق واسعة تؤمن من خلاله رفع مستوى اللعبة للوصول بها إلى أعلى المستويات في النواحي الفنية والإدارية والتسويقية، عندما ابرم الاتحاد عام 2008 مع (لجنة تأسيس دوري المحترفين الإماراتي) التي تكونت من ممثلين للأندية (اتفاقية الحقوق الخاصة بتنظيم رابطة دوري المحترفين) والتي بموجبها تم إنشاء (رابطة دوري المحترفين)، ومثّل الاتفاق إضافة إلى توافقه مع متطلبات ومعايير الاتحاد الأسيوي لكرة القدم، تدشين مرحلة تاريخية جديدة في عصر كرة الإمارات هاجسها النجاح والتقدم في مسيرتها المقبلة وتعزيز الطموحات بتحقيق طفرة نوعية هائلة على صعيد الاستثمار التجاري لكرة القدم، كما مثّل نموذجا خليجيا متطورا ومشرفا قام على الاحترافية والعمل المهني وإعطاء الأندية حقوقها كفرق مشاركة في الدوري وفق اتفاقية واضحة حددت الاتجاهات والمعالم والامتيازات والعوائد. ويمكن القول من واقع تطورات الاستثمار في المجال الرياضي انه بعد انطلاقته شهد تراجعا للخلف بسبب عدم الوضوح وعدم الشفافية وانعدام القوانين وعدم الاستعانة بخبرات تحمل مؤهلات قانونية تضمن التعامل مع تلك العقبات التي ظهرت والتي ستظهر مستقبلا، كما أن إحدى النقاط السلبية الواضحة تمثلت في عدم إعطاء كل من الرئاسة العامة لرعاية الشباب واتحاد كرة القدم دور للأندية في تقرير نوعية وطبيعة والية ذلك الاستثمار الرياضي، ويضاف إلى ذلك أن صلب العملية التي يتمثل تخصيص المنشات الرياضية التي أقامتها الدولة، وتخصيص الأندية نفسها وخاصة تلك التي تشارك في منافسات كرة القدم، لم يتحرك للأمام أو يشهد خطوات ملموسة تعززه وتوصله إلى الواقع المطلوب الذي ورد في قرارات صدرت عن مجلس الشورى ومجلس الوزراء.