ليس عجباً أن يكون الملصق الدعائي وملصق الفيلم في نسخته اليابانية الأصلية أو الأجنبية فيما بعد، يحمل مشهد الأرجوحة الذي يعرفه كل من شاهد "إيكيرو – لكي تحيا - Ikiru" تحفة المخرج الياباني الرائد أكيرا كوروساوا (1910-1993م)، فهو المشهد الذي يختزل جل ما أراد قوله كوروساوا في فيلمه الشهير الذي يعتبرإحدى تحفه الخالدة. يدور فيلم "لكي تحيا" الذي أخرجه كوروساوا عام 1952م، عن رجل يعيش أزمة منتصف العمر، يكتشف فجأة أنه مصاب بسرطان المعدة، وأن أمامه قرابة العام قبل أن يستفحل المرض ويتسبب في وفاته، حيث يدرك أن حياته التي قضاها في وظيفته البيروقراطية، وحتى خارجها، تبدو دون قيمة، حتى بعد مرور ثلاثين عاماً من حياته في تلك الوظيفة والزواج الذي خرج منه بابن من زوجته المتوفاة. بعد معرفته بمرضه يحاول كانجي واتانابي أن يخبر ابنه المتزوج بمرضه، لكنه يكتشف انشغاله التام وتفكيره المنحصر في ممتلكات والده، فيقرر أن يغرق في حياة الليل، إلا أنه يكتشف هناك في إحدى تلك المراكز الترفيهية خلل ذلك الاختيار، ليحول ليلة راقصة إلى ليلة مأساوية حين يطلب من عازف البيانو أن يعزف أغنية الغاندولا التي اشتهرت في الثلث الأول من حقبة تايشو (1912-1926م)، ثم يفاجئ الراقصين على ألحان البيانو بغنائه الكئيب الذي تدعو فيه الكلمات الفتيات أن يستغلن كل يوم من حياتهن في العيش بحميمة مع تفاصيل الحياة الحقيقية والحب الذي يجعل للحياة قيمة، فاليوم الذي يمضي لن يعود أبداً، لكنه وبدل أن يشجع بأغنيته الشباب والشابات المتواجدات أصابهم بالاكتئاب الذي أعاد إلى الأذهان مدى تفاهة الحياة التي يعيشها بعضنا بدون أي قيمة تؤهل المرء لاكتساب السمعة الطيبة بعد وفاته، بسبب أفعال الخير التي كان يجدر به تقديمها للناس ولنفسه إبان حياته الدنيوية. واتانابي الذي أدى دوره باقتدار مدهش الممثل الكبير تاكاشي شيمورا (1905-1982م)، يكتشف عبر معرفته بشابة تعمل في مصنع للدمى، أن الحياة تكتسب قيمتها من خلال ما يفعله المرء فيها، لذا يقرر أن يغير من حياته ويفعل شيئاً ذا قيمة، لذا فإنه يكسر روتين العمل ويتجاوز البيروقراطية في نظام عمله في بلدية مدينته ويستعجل الشروع في موضوع الحديقة التي كان يطالب فيها أهالي أحد الأحياء من أجل أطفالهم، لكن كوروساوا ومن أجل تخليد لحظة الإنجاز تلك، يبدع أحد أجمل المشاهد في تاريخ السينما العالمية، عندما نشاهد واتانابي وهو يجلس على أرجوحة في منتصف حديقة الأطفال التي كان هو سبب الاستعجال في إنجازها خلال العام المتبقي من حياته. الليل والثلج وواتانابي يتأرجح، وهو يغني مرة أخرى ولكن في مزاج مختلف تماماً عن المرة الأولى، أغنية الغاندولا التي كتبها إسامو يوشي ولحنها شينباي تاكاياما عام 1951م، وحققت انتشارا كبيراً عرفت من خلاله كأغنية بالاد شعبية مشهورة، لتعود إلى الحياة مرة أخرى عبر تحفة كوروساوا وفي أحد مشاهد أفلامه التي لا تنسى. اكيرا كوروساوا