بحسب التاريخ الحديث ان يشير إلى ما حققه الملك عبدالعزيز من دون ان يستطيع الاحاطة بما حققه ذلك البطل النادر في تواريخ الأمم.. فمنذ نهاية عصر المتوكل العباسي، قبل أكثر من ألف عام، دخلت الأمتان العربية والإسلامية انفاقاً مظلمة، تخللتها أنوار سرعان ما تخمد، إذ سيطرت عناصر غير عربية على القرار والسيادة في ظل خليفة وهمي يشبه الشماعة أو الستار الذي يحكم من خلفه غير العرب وغير المسلمين المخلصين، عدا بعض الفترات التي شهدت نهوضاً عربياً وإسلامياً سرعان ما تداعت عليه الأمم. أما شبه الجزيرة العربية فقد ظل مهملاً مهمشاً منذ نهاية العصر الأموي، عدا مكةالمكرمة التي فرض وجودها الديني العناية بها، ومع ذلك كان الحجاج القادمون إليها من كل فج عميق، يواجهون الأمرين، ويحملون السلاح، ويتعرضون لقطاع الطرق هنا وهناك. أما شرق الجزيرة العربية فقد شهد فتناً كقطع الليل المظلم، فدويلة القرامطة استباحت الكعبة ونقلتها مع الحجر الأسود إلى شرق الجزيرة!! ودعت للحج هناك! وظل الحجر الأسود في يد القرامطة عشرين سنة!! وكان شرق الجزيرة يموج بالفتن والجوع، ويعيش القلاقل والخوف ويجوس خلاله - كما وسط الجزيرة - قطاع الطرق واللصوص، وتسيل دماء القبائل في حروبها على المراعي الهزيلة وموارد المياه الشحيحة، ويهاجر كثيرون من سكان هذه المنطقة العزيزة إلى الهند والعراق ومصر والشام، فلم يكن هناك عاصم من الفتنة والقتل، والجوع والفقر.. وشمال الجزيرة وجنوبها لم تكن أفضل حالاً. أما قلب الجزيرة العربية فظل معزولاً عن العالم كله، في وحشة كالقبر، كان الفقر والخوف والجوع خيمة سوداء كبيرة جداً، تخنق قلب الجزيرة العربية، ومع جيوش الفقر والخوف أقبلت جحافل المرض والجهل، لتحصد الأوبئة الألوف المؤلفة، وتهدد حروب القبائل وغارات الحنشل من بقي، في بيئة قاسية المناخ، شحيحة الموارد، معزولة عن العالم، كان وضع الأكثرية وقتها أشد سوءاً وبؤساً من أوضاع قاطني مجاهل أفريقيا، في تلك المجاهل أمطار وغابات وصيد وفير وثمار مختلفة، أما قلب الجزيرة فكان أفقر بقعة على وجه الأرض تقريباً، فلا أنهار ولا بحار، ولا أمطار يعتد بها، بل جفاف تقشعر له الأرض، وقحط يهلك الحرث والنسل، حتى كانوا يفرحون بحفر جحر ضب، أو صيد جربوع، والضب شكله كريه، والجربوع يشبه الفأرة، لكن الجوع كافر.. كان سكان الجزيرة من بادية وحاضرة، يعيشون وقتها حياة بدائية في صحراء مخيفة مجدبة يتجاوب فيها عواء الذئاب مع عواء الرياح والفتاك، ويتعاون فيها القحط والجفاف مع أسراب الرخم والبوم والغربان، أما المجاعات التي مات فيها الناس فهي معروفة بسنواتها، والمجهول منها أكثر في زمن لم يكن فيه علم يذكر، أو تدوين.. وكانت القرى الصغيرة تتناثر على حواف الصحراء منكمشة كمعزى في ليلة مطيرة.. تحيط بها أسوار تنطق بالخوف، ويجوس الحنشل خلالها وحولها منافسين الذئاب في الغدر والافتراس.. ولا تزال شواهد تلك القرى قائمة من بقايا أسوار تنطق بالعزلة والخوف إلى آبار هزيلة معطلة، وبيوت صغيرة مهدمة، وأزقة بعضها لا يمر معه رجلان. هذا بعض حال شبه جزيرة العرب في ذلك الزمان، رغم أنها - ويا للمفارقة والأسف - مهبط الوحي ومهد العروبة وقبلة المسلمين، كانت وقتها - من شرقها لغربها ومن جنوبها لشمالها - تعيش مأساة سوداء من جميع جوانبها: فالفرقة كانت الأساس.. والغارات لا تهدأ.. والقحط والفقر كلها تكشر عن أنيابها، والخوف مقيم ما أقام عسيب، والعالم تاركها لمصيرها المظلم لا يعرفها ولا يريد ان يعرفها.. هذا حال جزيرة العرب قبل ان يوحدها بطل العروبة والإسلام الملك عبدالعزيز، رحمه الله، استعادة لملك أجداده الممتد منذ عام 1744ه، لقد وحدها مع رجاله المخلصين تحت راية (لا إله إلاّ الله محمد رسول الله) ولم شملها الشتيت، فبدلها الله عز وجل بالملك عبدالعزيز بفرقتها وحدة، وبخوفها أمناً، وبضعفها عزة وبجهلها علماً وبفقرها ثروة وغنى حتى أصبح توحيد المملكة عزاً وفخراً لكل العرب والمسلمين في كل أصقاع الدنيا، وصورة مشرقة في أسفار التاريخ: (في تواريخ العرب راسمين علومنا وعادة الدنيا تزول وتدوم علومها)