اختتم "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، أمس في أبوظبي، فعاليات مؤتمره السنوي السادس عشر، الذي حمل عنوان "التطورات الاستراتيجية العالمية: رؤية استشرافية"، الذي امتدت أعماله وجلساته على مدى ثلاثة أيام من 21 إلى 23 مارس الجاري. وضع إطار لخريطة مستقبل دول التعاون والدعوة لتوسيع مجال النقاش في قضايا المجتمع الخليجي وفي الكلمة الختامية للمؤتمر قدّم الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، الشكر إلى سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الاماراتية، رئيس المركز، لرعايته للمؤتمر. كما قدم الشكر والتقدير إلى الحضور من أصحاب السمو والمعالي والدبلوماسيين والسياسيين والإعلاميين ورجال الشرطة والقوات المسلحة والمحاضرين والمختصين. وقال السويدي: "نأمل أن تكون رسالتنا من عقد هذا المؤتمر قد حققت صداها المأمول من إبراز أهمية الدراسات المستقبلية، وأن نكون قد خرجنا من هذا المؤتمر ونحن أكثر معرفة بالقضايا والموضوعات التي أثيرت خلاله بعد أن ساعدت جلساته ونقاشاته الثرية على بلورة العديد من الآراء والأفكار، وألقت الضوء على تفاصيل كثيرة وأبعاد مختلفة". وأضاف السويدي "إن مؤتمرنا هذا دليل حي وواقعي على أهمية دراسات استشراف المستقبل، ومناقشة أهم قضاياه الحيوية، ومشاركتكم الفعالة والمثمرة فيه تنمّ بوضوح كافٍ عن اهتمامكم بالقضايا والموضوعات المطروحة وحرصكم على التفاعل والمشاركة، وهذا يدفعنا إلى الثقة بالمستقبل. ونعرب عن أملنا في أن يتسع مجال النقاشات إلى مختلف الأوساط المعنية بقضايا المجتمع الخليجي وهمومه، وأن تجد الموضوعات والتوصيات الثرية التي طرحتموها خلال أعمال المؤتمر الصدى الملائم في دولنا. ومثل هذا العمل يجب أن تتواصل فصوله، ويترجم إلى واقع عملي لمصلحة المجتمع الخليجي". وأوضح السويدي أنه على مدى ثلاثة أيام، ومن خلال خمس جلسات، تم عرض ست عشرة ورقة بحثية نوقشت بموضوعية وعمق، وقد أسفرت جلسات المؤتمر وما طرح في الأوراق التي قدمها المشاركون فيها من أفكار ورؤى عن نتائج عدّة من أبرزها: -أن العالم يشهد اليوم توزيعاً جديداً للقوى الفاعلة فيه، ينبئ بقطبية عالمية تعددية، حيث يوجد صعود لقوى مهمة؛ مثل: الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا والاتحاد الأوروبي وروسيا، وحتى "مجلس التعاون" بما يتمتع به من قدرات. -أن هيمنة أمريكا الصناعية ستتراجع مع تزايد المنافسة من آسيا، كما قد تواجه الولاياتالمتحدة أزمة في التمويل. وستزداد التحديات أمام الدولار الأمريكي بوصفه عملة الاحتياط العالمي، خاصة على يد الدول الناشئة التي قد تسعى إلى الاحتفاظ باحتياطها الاستراتيجي من العملات في شكل سلّة من العملات القوية. -أن تكريس الولاياتالمتحدة مركزها المهيمن الحالي استغرق خمسين عاماً، لذا فإنها تملك قدرة عظيمة على تصحيح سياساتها ورسالتها الأيديولوجية، لذلك من المتوقع أن تتطور السياسة الأمريكية على مدى العقد المقبل. -أن الحروب ستتحول من حروب بين الدول إلى حروب ضمن الدول، وستكون مصادرها الأساسية داخلية، وأهمها تفجر مشكلات الهوية، والشرعية، والتحول من استقرار مفروض يفتقر إلى الشرعية إلى تنوع قد يهدد وحدة الدولة في بعض الأحيان. -من المرجّح حدوث زيادة في عدد الصراعات عابرة الحدود، وسوف يكون هناك اتجاه متزايد نحو استهداف المدنيين بدلاً من الأهداف العسكرية. -سوف تصبح الحرب الإلكترونية تهديداً متزايداً في المستقبل من خلال التقنيات الجديدة، ويمكن أن تكون لها آثارٌ كارثيةٌ إذا تم من خلالها استهدافُ نقاطٍ ذات أهمية حيوية في مجالي المواصلات والبنية التحتية، وسيكون بإمكان الهجمات الإلكترونية أن تُحْدِثَ الآثار نفسها التي تَنتُج عن القنابل التقليدية. -من المحتمل أن تتبنى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن قاعدة جديدة؛ هي: مسؤولية عدم استخدام حق النقض في الدول التي تتعرض شعوبها للإبادة، وسوف تتزايد الدعوات للأمم المتحدة لكي تتدخل في حالات الكوارث الطبيعية والصناعية. -على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي هو أحد أهم اللاعبين العالميين في المجالين المالي والاقتصادي؛ فإنه يفتقر إلى الترابط والصدقية اللازمة في ما يتعلق بالسياستين الخارجية والدفاع. -من المهم إدراك أن "الأزمة الاقتصادية العالمية" سوف تنعكس بآثارها الكارثية على النمو والاستقرار العالميين على مدى الأعوام المقبلة. -أن الطريق المناسب للإصلاح هي وضع الشعب على الطريق نحو حياة أفضل؛ فالطوفان الذي يجتاح المنطقة العربية الآن سيصل إلى مناطق أخرى. -على جميع دول المنطقة مواجهة التحدي المتمثل في توفير فرص العمل والمساكن والتعليم والحياة الكريمة لشعوبها. وإذا كانت القيادات تتمتع بالحكمة وبعد النظر، فبإمكانها الاستفادة من القوة الدافعة لهذه الموجة العاتية في تحقيق مستقبل أفضل لشعوبها. -أن المدينة الآمنة هي التي تكون فيها أنظمة وبرامج رصد ومتابعة تعتمد على شبكات الاستشعار، حتى تستطيع مواجهة تهديدات مثل الإرهاب، أو الكوارث البيئية، أو الحالات الطبية الطارئة، أو الازدحام المروري، أو جرائم الشوارع، أو الكوارث الطبيعية. -يوجد عاملان يحولان دون التنفيذ الكامل لمفهوم المدينة الآمنة في القرن الحادي والعشرين: الأول، هو المخاوف من أن يُساء استخدام تلك التقنية من قبل الحكومات عن طريق انتهاك خصوصيات المواطنين. والسبب الثاني، هو أن السيناريوهات الأسوأ لا تستحق التخطيط لها، نظراً إلى خسائرها الكارثية. مستقبل الخليج وأشار السويدي إلى أن المؤتمر خرج بإطار عام لخطة طريق نحو المستقبل لدول "مجلس التعاون"، وتشمل الآتي: -لقد أصبحت المشاركة السياسية الفاعلة مطلباً لتحقيق التنمية وإرساء الاستقرار. -أن تقوم الرؤية الاستراتيجية الخليجية على متطلبات أساسية من أهمها: تعزيز المرونة المحلية؛ وزيادة الحوار الدبلوماسي مع الشرق والغرب؛ وتعزيز منظومة الأمن الإقليمي؛ والتركيز على الدبلوماسية الرسمية، والتقليل من الاعتماد على الدبلوماسية الشخصية؛ وصياغة الرؤية الاستراتيجية والعالمية الضرورية للمشاركة على الساحة الدولية. -أن "مجلس التعاون" يواجه انكشافاً أمنياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً؛ الأمر الذي يفرض العمل على تحوله إلى اتحاد على غرار الاتحاد الأوروبي حسب ما ورد في كلمة صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، وإنشاء جيش خليجي موحد، وامتلاك قوة نووية تواجه القوة الإيرانية، إن فشلت الجهود الدولية في منع إيران من امتلاك سلاح نووي، كما يلزم بناء القوة الداخلية، ومراجعة السياسات التي سمحت بأن تصبح دول المجلس سوقاً لعمالة العالم، وأن يتم تعزيز مفهوم المواطنة، ودعم المواطنة الخليجية. -أن الوقت ليس في مصلحة المسيرة البطيئة في التعاون والتكامل الخليجي، فالضرورة تحتم اتخاذ خطوات وحدوية كونفيدرالية، تضمن تحقيق تطلعات شعوب الخليج، والعمل على إنشاء محكمة عدل خليجية تحل المنازعات، وتزيل العوائق الإدارية والبيروقراطية التي تحول دون التكامل بين مواطني دول "مجلس التعاون". -ينبغي مراجعة مفهوم السيادة الوطنية التي لو بقي التمسك بها لما نجح أي عمل جماعي، ويجب أن ننظر إلى استجابات دول المجلس للتحديات التي واجهت بعض أعضائه؛ كسلطنة عمان ومملكة البحرين، ومن قبل التصدي لغزو العراق للكويت. -يتعيَّن تكريس مفهوم المواطنة في دول المجلس، والارتقاء بمنظومة التخطيط الاستراتيجي، ومنح المواطنين أولوية في سوق العمل، وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار. -من المهم أن نعلم أن دول "مجلس التعاون" لديها ديمقراطية خاصة بها متأصلة الجذور ومتعمقة في تقاليد الأوطان، وليست وليدة اليوم، وهذا لا يمنع من أنها تتطور يوماً بعد يوم بما يتوافق مع التقدم في التنمية، وتعد دولة الإمارات نموذجاً واقعياً لهذه الديمقراطية. -لا يمكن حل الوضع في الدول التي تواجه الاحتجاجات اليوم إلا من خلال الجمع ما بين الاستقرار السياسي والاقتصادي والمعيشي والإصلاحات المحلية الهادفة إلى تعزيز التماسك الاجتماعي. -أن إقامة مدن ذكية سوف تسمح للسلطات أن تتوقع الهجمات والكوارث المختلفة، وتضع تدابير للحد من تداعياتها وخسائرها البشرية والمادية. -يجب تطوير السياسات والهياكل التي تستخدم لمنع نشوب الصراعات بصورة فعالة، بحيث تصبح أكثر فاعلية في المستقبل. ونظراً إلى تزايد تعرض السكان المدنيين لأن يكونوا ضحايا العنف المسلح، فمن الواجب أن تصبح حماية السكان الهدف الرئيسي للسياسات الأمنية في المستقبل. -يجب توافر المرونة الاقتصادية في اقتصادات دول الخليج؛ مثل التنويع الاقتصادي، والقوة في الميزانيات العمومية للقطاع المالي، وقدرة السلطات النقدية والمالية على الاستجابة الفعالة لإدارة الطلب. -أن تمكين المرأة في كل الحقول لا بد أن يؤدي إلى تمكينها في مجالات الحياة كافة، والمثال الحي على ذلك الدور الذي قامت وتقوم به أم الإمارات، سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، التي استطاعت أن تتيح الفرصة لتمكين المرأة الإماراتية في المجالات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية. -يمكن لدول الخليج مواجهة مشكلة ندرة المياه باستغلال التقنية الحديثة، على أن يكون هناك نهج تعاوني على المستوى الإقليمي لتقليل التكلفة، وزيادة نطاق الاستفادة من الموارد المتاحة. استشراف الاقتصاد العالمي كانت وقائع اليوم الأخير قد بدأت بالجلسة الرابعة، التي ترأسها سعادة محمد عمر عبدالله، وكيل دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، ودار النقاش حول "استشراف الاقتصاد العالمي". وقال سلطان بن ناصر السويدي، محافظ "مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي"، في كلمته التي ألقتها نيابة عنه ناريمان عبدالله العوضي حول "المؤسسات المالية الدولية والاستقرار الاقتصادي العالمي"، إن الاستقرار الاقتصادي العالمي -حسب تعريف "صندوق النقد الدولي"– هو "تفادي الهزات الكبرى في النشاط الاقتصادي، والتضخم المرتفع، والتقلبات في أسعار الصرف والأسواق المالية". وينفرد تفادي هذا العنصر الأخير بوصف "الاستقرار المالي العالمي". ثم تطرق مانو باسكاران، شريك في مجموعة "سانتانيال"، زميل باحث أول في "معهد دراسات السياسات" في سنغافورة، في ورقته البحثية إلى الحديث عن الآثار المستقبلية ل "الأزمة الاقتصادية العالمية"، وسعى إلى تقويم الأثر الذي ستخلفه الكارثة في الأعوام المقبلة على النمو والاستقرار العالميين، خاصة في عامي 2011 و2012، وبحث في عواقب عمليات التكيف غير المكتملة التي يجب تطبيقها قبل أن تنجلي الأزمة بالفعل. وقال: "بالرغم من أنه يبدو أن أسوأ آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي في سبتمبر 2008 قد مرت بسلام، فإننا لا نعتقد أنها قد انتهت تماماً". خريطة طريق لمستقبل دول الخليج من ناحية أخرى سعت الجلسة الختامية للمؤتمر، التي رأسها معالي الدكتور علي فخرو، وزير التربية والتعليم الأسبق في مملكة البحرين، إلى وضع "خريطة طريق لمستقبل دول الخليج العربية".