أقر الباحثون والمنظرون لوسائل الإعلام بما لها من تأثير وسيطرة على الجماهير المختلفة وخصوصاً فئة الشباب، فهي تحدد الأولويات وترسم الأجندات وهي البوابة التي من خلالها يتواصل الشباب مع العالم ويسمع أخباره ويشاهد ابداعاته فمن خلال القائمين عليها تمارس دور حارس البوابة بما يمررون ما يريدون ويمنعون ما يريدون، وهي تلون المعلومات تارة وتضخمها تارة وتعتم تارة كيفما شاءت. ووسائل الإعلام ترسم من خلال ما تقدمه نمط الحياة الافتراضي، اما بتنظيم مخطط أو بجهل أخرق، وذلك من خلال الايقاع السريع والموسيقى الصاخبة والموضات من تقليعات في اللبس أو تسريحات الشعر، أو الايحاءات الجسدية وحركة اليدين والجسد وابراز مفاتن الفتيات، ولعل الأبرز هو أسلوب الحديث بألفاظ نابية وشتم ولعن تجده يتكرر عشرات المرات في الافلام. وتقدم وسائل الإعلام رسائل مختلفة سواء عبر نشرات الأخبار او البرامج المختلفة أو حتى من خلال الدراما (مسلسلات وأفلام)، وتقوم بتسويق وتمرير عشرات المفاهيم والصور الخاطئة، والتي للأسف يتشربها شبابنا دونما تفكير أو مقاومة وكأنها من المسلمات، فطريقة التعامل مع الوالدين وتصويرهما كأنهما وجدا لينغصا حياة الشباب حتى يتم تصويرهما أحياناً بهادمي اللذات وهما اللذان قال عنهما الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما). بينما يقدم الاعلام المرأة في صورتين متناقضتين فهو يلمع صورة المرأة الصديقة المتفهمة والرائعة، في حين الصورة الأخرى هي الأم المزعجة أو الضعيفة والأخت الشرسة والمشاكسة في اعلان صريح لهدم أركان الأسرة، ويتعاطى الإعلام مع الزوجة بالمداعبات المستمرة وعرض تصرفات تخدش الحياء في أماكن عامة مثل الحدائق والاسواق وأمام الناس وكأن هذه هي الحياة الطبيعية التي يجب على الشاب المطالبة بها وكانها الحرية المطلقة. كما تقدم وسائل الإعلام عادات الأكل والشرب بطريقة منافية للمفاهيم الصحيحة فهذا يأكل بشماله وذاك يتناول طعامه ماشياً مع ما يصاحبه من ترويج للأكلات الضارة والماركات الغذائية في حين تغلف العادات السيئة والخطرة بغلاف من المتعة والمرح والحرية، فالدخان والمخدرات والخمور بأنواعها تظهر مع موسيقى هادئة ورخيمة او بين حفيف الأشجار أو في صمت مخملي، بينما نجد ان الغضب والعنف والتذمر كلها مفاهيم تلصقها الأفلام بدور العبادة والكتب المقدسة بل تطالعنا الأفلام خصوصاً الغربية منها بأن الانسان يتحدث مع ربه ويخاطبه بغضب وأحياناً يشتمه (تعالى الله سبحانه)، وهناك جملة تظهر كثيراً في الأفلام ووجدنا شبابنا يتبناها بعفوية ساذجة وهي (انت ملاكي الذي يحرسني) وكأن الملائكة اولاً نساء ثانيا أنها قادرة على حماية الانسان من القدر وليس الله سبحانه، بل ويتعدا الأمر موضوع المعتقدات ليصل للنمطية ثم لم يكتف الاعلام بذلك بل مارس طمس الهوية وخصوصاً العربية سواء في المسلسلات او الأفلام أو حتى في نشرات الأخبار فمثلاً كل شاب عربي شاهد فيلما عربيا اسمه (الطريق إلى إيلات) وكل شاب عرف بعد ذلك أن ايلات ميناء اسرائيلي في حين لم يشر الفيلم من قريب أو بعيد لاسم القرية التي هدمها اليهود ليبنوا عليها ميناءهم هذا وهي قرية أم الرشراش والتي بناها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وطمس الهوية والتغريب يبرز في الألفاظ أو اللبس أو العادات أو حتى في أشكال المنازل فعلية القوم والصفوة دائماً منازلهم على الطراز الأوروبي. ولم تغفل وسائل الإعلام خاصية التقليد المغروسة في الشباب، ولكنها التفتت إليها في التسعينات من القرن السابق، حين لاحظت شركات مستحضرات التجميل في العالم أن نصف العالم وهو النساء يستخدم منتجاتهم في حين أن النصف الآخر وهو الرجال لم يكن مهتماً كثيراً بها، وكان السؤال: لماذا لا يستخدم الرجال مستحضراتنا؟ وقامت بدراسات ضخمة تجاوزت تكلفتها ال 20 مليون دولار أمريكي لتجد أخيراً أن السبب بسيط جداً وهو (غياب القدوة) فلا يوجد من مشاهير الرجال من يستعمل مسحضرات التجميل، فقامت الشركات بصناعة جيل جديد من الشباب وخلقت منهم مشاهير ليصرحوا أن تألقهم ووسامتهم سببها مستحضرات العناية بالبشرة والمساحيق المختلفة والجل والعناية بالشعر ليكونوا قدوة لشباب العالم، ولم تستثن هذه الدراسات الأطفال من خلق أبطالهم بل ان هؤلاء الأبطال يكبرون مع الأطفال حتى يصبحوا شباباً ويستمرون في متابعة أبطالهم وتقليدهم ولعل البوكا هانتوس والهانا مونتانا وغيرهما نموذجان يختصران هذه القصة. والآن ومع الإعلام الجديد أصبح الوضع أخطر وأسوأ فالشباب ارتموا في أحضان وسائل الإعلام الجديدة واستغنى عن الأب والأم والأستاذ وأصبح كل شاب عالمه وأسرته في جهاز محمول أو جهاز جوال وكل دروسه ومواعظه يأخذهما من هذين الأبوين الجديدين كلياً. إن الحل في تصوري هو نفس الحل الذي يجب أن تتخذه حين تقوم بإدخال ابنك إلى غرفة مليئة بالجراثيم المضرة والقاتلة، ما الواجب عليك فعله؟ ببساطة الحل في المصل الواقي (التطعيم)، يجب التحدث مع ابنائنا عن التوجهات الفكرية والاعلامية المختلفة يجب صقل الصورة المشرقة لواقعنا العربي والاسلامي ويجب المواظبة على ذلك كنوع من المداومة على الوقاية المستمرة وكأنه كشف طبي وقائي وبشكل دوري ومنظم، مع مراعاة التوقيت واللحظات النفسية المناسبة، كما يجب خلق قدوة أو ابرازها إن وجدت من واقعنا العربي والإسلامي ويجب ان يشارك في هذا كافة أطياف المجتمع أفرادا ومؤسسات وإلا فالوضع خطير وتفاقمه وانفلاته من ايدينا أمر متوقع في ظل عدم الاهتمام بالفكر المطروح داخل بيوتنا. * التثقيف الصحي