كانت ابيراش بيكيلي في سن الرابعة عشرة عندما قام سبعة من الرجال الذين يمتطون الخيول باختطافها بينما كانت في طريقها إلى المدرسة في جنوبي إثيوبيا وأخذوها إلى كوخ ناء وضربوها مرارا قبل أن يقوم "قائد الفرسان" البالغ من العمر 29 عاما باغتصابها. ويعتبر ما حدث هو الأسلوب التقليدي للحصول على عروس في الريف الأثيوبي. فإذا رغب رجل في الاقتران بامرأة، تعرفه أو لا تعرفه، فانه يختطفها ثم يحتجزها ويظل يغتصبها إلى أن تحبل!!. وتستعيد ابريراش ذكريات ما حدث لها قائلة: "لقد ضربني إلى أن كدت أفقد الوعي. لقد كان ضخم الجثة إلى حد أنني عجزت عن دفعه بعيدا عني. لقد استمر في ضربي إلى أن فقدت الوعي وفعل بي ما أراد." وتقضي التقاليد بان الفتاة المخطوفة تصبح من حق خاطفها ما أن تحمل. ويقوم كبار رجالات القبيلة بالتوسط بين أسرتي الطرفين لتحديد المهر. وتضطر أسرة المخطوفة إلى الموافقة على الزواج لان الفتاة التي تفقد عذريتها تصبح غير صالحة اجتماعيا للزواج من رجل آخر. وقدم الخاطف ثورا لوالدي العروس مقابل الزواج من ابنتهم. وكانت ابيراش تعلم أن مغتصبها يرغب في أن يتخذها زوجة له. ولكن في اليوم التالي عثرت على بندقية كلاشنكوف في ركن من أركان الكوخ. وحاولت ابيراش الهرب رغم ما يعتريها من إعياء بسبب الضرب المبرح والألم الشديد في ذراعها المكسورة والدماء التي تغطي معظم أجزاء جسمها، الأمر الذي كاد أن يمكّن خاطفها من القبض عليها. وبيدين ترتجفان، أطلقت ابيراش ثلاث طلقات تحذيرا في الهواء، ولكنه ظل يتقدم نحوها، وعندها خفضت البندقية أردته قتيلا. ويعنى هذا الفعل أن ابيراش أقدمت على ارتكاب كل المحرمات، وتم اعتقالها بتهمة القتل وقدمت للمحاكمة. وأحدثت هذه الحادثة صدعا كبيرا في العلاقة بين أبويها وأسرة الخاطف. الشاب يختطف الفتاة ويظل يضربها ويتزوجها.. ويتوسط رجالات القبيلة بين أسرتي الطرفين لتحديد المهر وعلى الرغم من ان الاختطاف غير مشروع في إثيوبيا، إلا انه شاع إلى حد أن الشرطة لا تلتفت إليه ولا تعيره أي اهتمام، وتترك الأمر برمته لكبار السن في المجتمع للتوصل إلى حل. وفي حالة ابيراش فقد تم نفيها إلى مأوى في أديس أبابا وأمرت عائلتها بان تدفع تعويضا عن مقتل الخاطف. واضطرت أسرة ابيراش إلى بيع أبقارها لسداد مبلغ التعويض. ابيراش بيكيلي برأها القضاء وجرمها القبليون وتولت جمعية المحاميات الإثيوبيات قضية ابيراش، بعد أن وجدت مؤسسة الجمعية، المحامية ميزا آشينافي، في هذه القضية رمزا لمأساة آلاف الفتيات الأخريات. وكانت ابيراش أول امرأة تتحدى وتقاوم هذا النوع من العنف ضد النساء، وأنها تمثل ثورة ضد الثقافة الذكورية، على حد قول آشينافي. وانتاب غضب عارم كبار رجالات القرية. وقال أحدهم، " لقد تدخلنا بعد مقتل الخاطف وأغلقنا القضية وما كان ينبغي أن ترفع للقضاء. لقد انهينا كل شيء." واستغرق الأمر عامين قبل أن تتمكن المحامية آشينافي من إقناع المحكمة بان ابيراش قتلت نفسا دفاعا عن النفس. وتم تبرئتها. غير أن الحرية التي حصلت عليها ابيراش كانت مخادعة، ذلك أن قريتها لم تقتنع بقرار القضاة، ولذلك أمر كبار رجالاتها بان تبقى "الفتاة القاتلة" في المنفى. وهذا الحكم القبلي أقوى من حكم القانون. في غضون ذلك مازال المساعدون الستة الذين عاونوا الخاطف يتمتعون بكامل حريتهم ولم تتعرض سمعتهم لأي ضرر. وتقول ابيراش، البالغة من العمر 16 عاما الآن، "لم يتم اتخاذ أي إجراء لتوقيف أولئك المجرمين، وبذا فإنهم يتشجعون لاختطاف الفتيات." ويتم إعفاء الزوج من المسؤولية الجنائية إذا ما اتفقت الأسرتان على الزواج. الفتيات الإثيوبيات يخشين الخروج من منازلهن خشية الاختطاف وتقول ميزا،" المحاكم لا تمارس مهامها بالصورة المطلوبة. الفتيات لا يتم تشجيعهن للتوجه للمحاكم. وإذا قارنا بين قوانيننا وبين التطبيق نجد أن التطبيق يواجه معضلة خطيرة. وإذا كانت الشرطة عاجزة عن الاضطلاع بمهامها فان عليها أن تستقيل." في غضون ذلك، تتخوف مولاتو، شقيقة ابيراش الصغرى البالغة من العمر 14 عاما، من مغادرة مزرعة أبويها وتقول،" أخشى أن يحدث لي ما حدث لابيراش. إنني لا استطيع أن أتوجه إلى المدرسة أو السوق بمفردي." ويوافقها والدها على هذا القول ويضيف،" كيف نستطيع حماية أطفالنا من هذه الاختطافات. الخاطفون يتعقبون البنات باستمرار. إنهم لا يهتمون بإكمالهن تعليمهن." وفي حقيقة الأمر، يعتبر خطف واغتصاب الفتيات من اجل الزواج بالقوة ممارسة ثقافية متأصلة في العديد من المناطق الريفية في إثيوبيا. وقد تفوقت المخرجة تشارلوت ميتكالف على نفسها عندما سلطت الأضواء على هذه الظاهرة في فيلمها الوثائقي "تحت الشمس: قاتل تلميذة " من خلال عرضها مأساة ابيراش، حيث جسدت كيف أن هذه الممارسة تترك ندوبا لا تنمحي في نفوس الضحايا. وربما تكون ابيراش قد استمدت الشجاعة لاستخدام البندقية من مصير شقيقتها الكبرى العداءة ميستاويت التي كانت تستعد لتمثيل إثيوبيا في الاوليمبياد عندما اختطفها رجل واغتصبها ثم تزوجها. وأنجبت ميستاويت أربعة أطفال. وعندما أخلت المحكمة الجنائية سبيل ابريراش، غمرت السعادة نفوس ذويها الذين مازالوا يتجرعون طعم المرارة لعجزهم عن إنقاذ ميستاويت من حياتها البائسة التي تعيشها حاليا. غير أن هذه السعادة مرت كسحابة صيف، فابنتهم ابريراش مازالت في المنفى. أما شقيقتها الصغرى فهي تنتظر ما سيحل بها في رعب وتقول،" كل ما استطيع أن أفعله هو الانتظار لحين أن يتم اختطافي. الاختطاف حطم آمال ميستاويت في الاوليمبياد امرأة أثيوبية تبكي حزنا على مصيرها