تطرح الأحداث التي يموج بها الوطن العربي مؤخرا كثيرا من الأسئلة، يأتي على رأسها : هل كلّ من تظاهرَ لديه دافع حقيقي للتظاهر، أم لا يعدو خروجه ركوباً للموجة ؟ هل خرج المتظاهرون من تلقاء أنفسهم ، أم أن أيدي خفية تستغل مشكلاتهم فتحرضهم على الخروج ؟ هل المطالب التي ينادي بها المتظاهرون ممكنة التحقيق أم أنها مستحيلة ؟ ومامعنى أن يغالي بعض المتظاهرين في مطالبهم كلما قدمت حكومتهم لهم شيئا انتقلوا إلى مطلب آخرَ مصرين على تحقيقه ؟ لا يخفى على عاقل ما تمارسه أمريكا من ضغوط على الحكومات العربية تماهياً مع مطالب المتظاهرين ، حدّ التضحية ببعض الحكام المحسوبين عليها الذين صمتت سابقا عن تجاوزاتهم ، وكأنها لم تعلم بها إلا عندما خرج المتظاهرون إلى الشارع ، كما فعلت مع ابن علي ومبارك ، وصمتها المريب عن تجاوزات القذافي وجرائمه ، ورأينا كيف ترددت كثيرا قبل أن تفصح عن موقفها منه ؟ فأين كانت أمريكا منذ أربعين عاما والقذافي ينكل بشعبه ؟ ألم تكن أمريكا نفسها تشيد بسياسة ابن على في تونس، متجاهلة معاناة التونسيين ؟ لقد استخدمت شعار الدفاع عن حقوق الإنسان ، وحماية الحريات والديمقراطية ، ومؤازرة الشعوب وسيلة للضغط على الحكومات ؛ لتقديم المزيد من التنازلات في ملفات خارجية لاعلاقة لها بذلك الشعار، منذ ساعدت على إسقاط الملكية في مصر وإلى يومنا هذا ! ألا يدعو هذا الموقف المنحاز على نحو متأخر كثيرا إلى المتظاهرين ، إلى تأكيد رغبة أمريكا في بث الفوضى المدمرة في المنطقة العربية بأيدي أبنائها ، وصولا إلى تقسيم ما تبقى منها كما حدث في العراق والسودان, وكما يلوح الآن في أفق ليبيا ، كما أن مصر ليست بمنأى عن التقسيم ؛ إذ يدور الحديث عن دولة قبطية أصبح لها دعاة ومؤيدون على صفحات الإنترنت ؟! الفوضى الخلاقة ؛ هي السلاح الذي تستخدمه أمريكا الآن - بدلا من الحروب التي كبدتها كثيرا من الخسائر المادية والبشرية كما في العراق وأفغانستان - لإفقار دول المنطقة وهدم إنجازاتها ، وبث الفوضى في أرجائها ؛ كسرقات البنوك والمؤسسات الحكومية ، والمتاحف والمتاجر، وسرقة الوثائق الرسمية وإحراقها ، وفتح أبواب السجون للخارجين على القانون ، وتصفية الحسابات بين ذوي الخصومات ، وغير ذلك مما شهدنا أمثلته في عدد من الأقطار العربية . نحن مستهدفون وأعداؤنا والمتربصون بنا ملة كبيرة ، وحتى الذين مازلنا نحسن إليهم وندعمهم صاروا من أكثر من يتمنى لنا الشر ، وهو أمر مفهوم فكل ذي نعمة محسود ، لكنه ينبغي علينا التماسك بتقوية جبهتنا الداخلية ، والتصدي لكل المغرضين والمحرضين ، والشروع عاجلًا في الإصلاحات التي أمر الملك بها يرى بعض المراقبين أن أمريكا عندما رأت عزم بعض الدول العربية على الإصلاح ، سارعت إلى تحريض الشعوب والشباب خاصة – عبر عملائها - على التظاهر لقطع الطريق على محاولات الإصلاح . ولذا فإنه لم تدهشنا تلك الأوامر التي تصدرها الإدارة الأمريكية يوميا لحكام الدول العربية محذرة من منع التظاهرات لأنها حق للشعوب ! فأين كانت عن حقوق الإنسان العراقي عندما كان صدام يدك بطائراته قرىً وتجمعات سكانية كاملة ؟ وأين هي من تدمير مقدرات العراق وثرواته وزعزعة أمنه منذ إسقاط صدام وحتى اليوم ، وتسليمه على طبق من ذهب لإيران ؟ وأين هي من حقوق الإنسان الليبي منذ ما يزيد على الأربعين عاما ؟ لن نقول أين هي من حقوق الإنسان الفلسطيني فتلك قصة أخرى ؟ هنا نتساءل ما الذي ينبغي على دولنا الخليجية وشعوبها أن تفعله إزاء هذا الوضع المتوتر ؟ وإلى أي حدّ ينبغي أن يقف سقف مطالب الثائرين ، انتظارا لتحقيق ما وُعدوا به ؟ وإلى أين يجب أن تصل تحركاتهم ؟ ينبغي على العقلاء والنخب التنبه إلى ما يحاك ضدنا من قبل أمريكا وإسرائيل وإيران التي تتناغم مطامعها مع أهدافهما في منطقة الخليج العربي ! لهذا أصدر اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الذي شهدته الرياض ، تحذيرات شديدة اللهجة لأي محاولات للتدخل الأجنبي في شؤون دول المجموعة الخليجية، وعدّوا الإضرار بأمن أي دولة ، إضراراً بأمن الجميع، سيواجهونه بقوة وحزم . لا ريب أنه يوجد بيننا عقلاء تعنيهم وحدة الوطن واستقراره وعدم التضحية بمكتسباته وإنجازاته وثرواته ، عقلاء يعملون على توعية الشباب الذين يتظاهرون أو يتظاهر بعضهم ( استجابة لتحريض دول وأشخاص وجماعات مارقة ، رافضين أيّ دعوة للحوار، وتقريب وجهات النظر، وتحقيق مايمكن تحقيقه من مطالبهم ) ! تلك المطالب التي تتعلق بأرزاقهم وحقوقهم ومساواتهم بغيرهم ، التي ليس منها تعطيل عجلة الحياة اليومية، والإصرار على تغيير نظام الحكم ، وإن لم يحدث فسيبقون معتصمين في الشارع كما هي الحال في البحرين ! حتما ليس من تلك المطالب الإصغاء لموتورين ذوي أجندات خاصة وأحلام غير واقعية ، وليس منها ما يمليه أولئك الذين نهبوا ثروات الوطن وفروا بها للغرب ثم أصبحوا معارضين يتباكون هم وبناتهم عبر الفضائيات على الفساد ، متجاهلين أنهم من أرباب الفساد وصانعيه . كما أنه ليس من الإصلاح التوقيع على البيانات اليوم ، والتغاضي سابقاً عن صور الفساد التي ارتكبها أشخاص محسوبون على التوجه الفكري نفسه ، كيف أصدق من وقع على بيان مطالباً بإصلاحات في الوقت الذي لم ينكر فيه على قاضي المدينة المرتشي بالملايين ؟ كيف يقنعني أولئك وهم لم يعترضوا على من منع محاسبة ذلك القاضي خشية الفتنة ؟ أو ليس نهب أموال المسلمين فتنة ما بعدها فتنة ؟ الفساد ملة واحدة ، ووحدة لا تتجزأ ، فلا فرق بين من يسرق أموالا أو يزوّر صكوكا أو شهادة جامعية أو إجازة مرضية ؟ الفساد هو الفساد ، وإن تعددت صوره وأشكاله . لذا يجب على موقعي البيانات التأكد من نزاهة مواقفهم سابقا ولاحقا ، والتحقق من صدق نياتهم قبل التوقيع على أي بيان ، ليحظوا باحترام الآخرين ! نحن مستهدفون وأعداؤنا والمتربصون بنا ملة كبيرة ، وحتى الذين مازلنا نحسن إليهم وندعمهم صاروا من أكثر من يتمنى لنا الشر ، وهو أمر مفهوم فكل ذي نعمة محسود ، لكنه ينبغي علينا التماسك بتقوية جبهتنا الداخلية ، والتصدي لكل المغرضين والمحرضين ، والشروع عاجلًا في الإصلاحات التي أمر الملك بها ، والعمل على تحقيق كل ما يكفل تمتع المواطنين كافة بحقوقهم التي يمليها انتماؤهم لهذا الوطن ، تلك الحقوق التي لا ينكرها عاقل، ولا يرفضها سوى جاهل بما يمكن أن يترتب على رفضها من كوارث . وحدة وطننا وتماسك أبنائه هما المناعة التي تحول دون تحقيق مآرب الحاقدين ، ولعل ما حدث ليل الخميس الماضي في استاد الملك فهد يؤكد فشل محاولات تلك الزمرة الباغية..