كثيرة هي مناسباتنا الاجتماعية التي تعبّر عن مجتمعنا الرائع بتكافله وتآلفه الحميم؛ ولكن مع تعدد تلك المناسبات في الشهر الواحد، وربما في الأسبوع.. أصبحنا نعاني حقاً من عبء اجتماعي ثقيل؛ بسبب المبالغة في تقديم الهدايا والمجاملات الأخرى؛ حتى إنّ الكثير من الأسر يسعون إلى سياسة الانطواء اجتماعياً، خاصة في العلاقات المفروضة بحكم الوظيفة أو الجيرة، وقصر علاقاتهم على الأهل والأقارب، وذلك في محاولة منهم لتخفيض ميزانية المجاملات الملزمين بها.. وتعد مجاملات الهدايا بين النساء الأكثر مقارنة بين الرجال، وذلك لعدة أسباب أهمها: ارتفاع منسوب البرستيج "شوفوني"، ومنافسة بعضهن البعض على "شراء الزين"، وحتى لا تكون "فلانة" أحسن منها، ثم إنها في الغالب لن تدفع من جيبها - باستثناء الموظفات -، وأمام ذلك وأكثر.. ياعيني على الرجال المطيعين لأوامر زوجاتهم ويدفعون "غصباً عنهم" حتى "ما تتفشل"!، بل الغريب أحياناً إصرار بعض النساء على أزواجهن بشراء الهدية، وربما لا يملك قيمتها فيضطر للبحث عن "سلفة" من "فلان وعلان".. من هنا كانت المجاملات المادية بين النساء سبباً للتباعد الاجتماعي بعد أن كانت أقرب السبل للتواصل مع الآخرين؛ فهل يكون هذا هو الحل الوحيد أمامنا أم سنضطر للمجاملة على حساب ميزانيتنا؟. سيدة تجهز هدية مولود في أحد المحلات المتحصصة مصدر قلق بدايةً ترى "ريحانة سلمان" أنّ المجاملات إحدى أهم العادات الاجتماعية التي تجاوزت حدود المألوف للمبالغة الكبيرة في قيمتها، كما أنها غالباً ما تكون "ردة بردة" يعني "اهديني أهديك" ولم تعد الهدية تحمل القيمة المعنوية، كما أنها أصبحت مصدر قلق لدى العائلات من ذوي الدخل المحدود، وما تنتجه من أزمة في حياتهم الشهرية، مشيرةً إلى أنّها صارت تحمل في طياتها "إزعاجاً"؛ بسبب الظروف المعيشية التي لا تسمح للكثيرين بتحمل نفقات الولائم العديدة على حساب المرتب الشهري الذي بالكاد يلبي المتطلبات الأساسية للحياة اليومية، مؤكدةً على أنّ البعض يقع في حيرة كبيرة مع كل مناسبة اجتماعية مختلفة؛ بين الرغبة في حضورها لكسر رتابة الأيام العادية، وبين "قلة الحيلة" من ضريبة تتطلب ترتيبات خاصة بشراء ملابس لحضور تلك المناسبة وتقديم هدية معبرة ومميزة. د.خالد المنيف سياسة التقشف وتقول "فاطمة سليمان": "زوجي متقاعد ويغضب لمجرد أن أطلب منه ثمن هدية أو إقامة وليمة لمناسبة معينة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالأقارب، ولكني أكون حينها حقاً مضطرة لمجاملة هذه أو تلك، فألجأ لتدبير ميزانية المجاملات من خلال سياسة التقشف في المصروف، وعندما تفشل هذه الطريقة اضطر للاقتراض، فكيف لي أن أستجيب لخمس دعوات في شهر واحد؟ مؤكدة على أن هذه العادات بالفعل قد غيرت أثر الهدية في نفوس البعض بعدما صارت بمثابة "دين" يجب إعادته إلى المهدي مع أول حفل ينظمه". د.المنيف: إذا خرجت ب «نفس شينة» ما لها طعم و«التفاخر» قضى على «بساطة جمالها».. إرضاء الجميع وتضيف "حنان العطوي": "في كثير من الأوقات نبذل قصارى جهدنا؛ لأداء المجاملات التي يصل بها البعض إلى درجة الواجب الاجتماعي؛ لكننا قد لا نجد متسعا من الوقت والمادة لإرضاء الجميع، فالأهل يلومون المرأة وأسرة الزوج كذلك والأقارب والجارات والصديقات وغيرهم لا سيما إذا كانت موظفة، فعليها أن تضيف إلى رصيد المجاملات الوقتية المعنوية مجاملات أخرى مادية محسوسة"، مشيرة إلى أنّ لسان حال محيطها يقول: وما المانع، فهي موظفة ولديها دخل شهري ويمكنها إرضاء الجميع، فلا بأس من هدية لعروس، أو شراء قطعة أثاث لمن انتقلت إلى بيت جديد أو من رزقت بمولود أو مولودة، مؤكدةً على أنّها لا تهدف إلى مهاجمة العلاقات الاجتماعية والإنسانية الجميلة التي تربطنا بالآخرين وتنمي بيننا روح المودة والإخاء، ولكن ما أقصده هو المبالغة في إلزام المرأة بأداء بعض المجاملات مرغمة لا مقتنعة. الأهل فقط وأوضحت "منال سالم" - موظفة - أنها تفضل كثيراً تقديم الهدايا، ولكن في حدود الأهل فقط، أما الهدايا الأخرى الخاصة بالزميلات والصديقات فليس لها ضرورة؛ فهي تحرج أكثر مما تبهج، حتى إننا أصبحنا لا نقيّم الدعوات حتى لا نحرج المدعوين بجلب الهدايا، وإذا لم نأخذ معنا هدية لأي مناسبة وصفونا بالبخلاء أو التقصير، مفضلةً اقتصار الهدايا على الأهل؛ فهي تكون أكثر يسراً ونختارها بحب، ونستطيع الاستغناء عن تقديمها في حال عدم القدرة المادية دون أن يكون هناك أي حرج كون الأهل يقدرون ويعرفون أي ظرف لك. نساء تفنن في تقديم الهدايا وصلت إلى تحويل الأوراق النقدية إلى غلاف للشيكولاته إرباك الميزانية وأشارت "فوزية سالم" إلى أنّ الهدايا تربك ميزانيتها، خاصة أنها تحب الهدية المميزة حتى لو كان آخر ما تبقى في رصيدها، مضيفة أنّ تعدد المجاملات المادية عبء جديد يضاف إلى أعبائنا الكثيرة، خاصة في فترات متقاربة في العام مثل مناسبات التخرج والزفاف وغيرهما. وقالت "خلود المعيقلي": "أنا أنصح كل موظفة جديدة ألا تقحم نفسها في علاقات قوية مع زميلاتها، وإلاّ ستكون تلك العلاقات نقمة، وهذا ما حدث معي ومع بعض الزميلات فرواتبنا يُصرف معظمها على الهدايا والمجاملات المختلفة"، مشيرة إلى أنها أصبحت نوعاً من إظهار الذات، كما ترى أنه كلما اتسعت دائرة المعارف وازداد تبادل الهدايا والدعوات تصبح نوعاً من الهم يعادل في ثقله هم الدين، فلابد حينها من تخصيص ميزانية كبيرة من الراتب لحسابها، وقد تكون هذه الميزانية في بعض الأحيان أهم من سداد الدين. الظروف والإمكانات وفي هذا السياق أوضح "د.خالد المنيف" - خبير التنمية البشرية - أنّ الحياة لا تدار بالعواطف، ولا تستقيم الحياة بتصارع الأولويات، ومن يدير حياته بعشوائية فقد حكم على نفسه بالتعاسة والشقاء الدائمين، والإنسان إذا ما أراد أن يسعد في هذه الحياة عليه أن يتعامل معها بحسب ظروفه وإمكاناته، وليس بحسب ما تفرضه العادات والأعراف، فما الثمرة المجنية من مناسبة لا يتجاوز وقتها ساعات قليلة ثم ينفضّ المجلس ولربما دون كلمة شكر وتخلف تلك المناسبة ديونا ينكوي بنارها باقي أيام الشهر!. أمر جميل وأضاف: الهدايا أمر جميل ووسيلة تقارب ودرب من دروب الخير، وهي تؤلف بين القلوب وتزيل الخلافات، ولكنها إذا خرجت بنفسية أقرب ما تكون للإجبار، فهنا تفقد جمالها ويبهت نورها، وما نراه في الوقت الحالي من تفاخر في موضوع الهدايا وتحميل النفس أو الزوج ما لا يطيق حتى لا تظهر بمظهر أقل من قريناتها، فهذا والله من ضيق الأفق وبساطة التصور، ولو كانت المرأة موظفة فلا يعني هذا بعثرة المال وإضاعته فيما لا ينفع، ونحن نحتاج في مثل تلك الأمور لوجود الشخص الانتقالي صاحب الشجاعة والجرأة لمجابهة تلك العادات والوقوف أمامها، ومن ثم لو تجرأ الآخرون عليها؛ لسنوا سنته وحذوا حذوه. العادات الثقيلة وأشار إلى أنه رأى العديد من الأسر التي تبنت خطاً جديداً وفكراً جميلاً خففت من الأعباء، وتخلصت من أسْر تلك العادات الثقيلة على النفس، حيث تعاهدت فيما بينهما وعقدت ما يشابه الاتفاق الأدبي بعدم التهادي في المناسبات والاكتفاء بالتهنئة فقط، مشيراً إلى أنّ الفكرة واجهت صعوبات في البدايات، ولكنها نضجت بعد فترة ليست بالطويلة، وتخلصت الأسرة من ربقة الالتزام المنهك، وإن تعذر تنفيذ مثل تلك الفكرة؛ فهنا يبقى الحل على المستوى الفردي، وذلك بالاتفاقات الفردية مع الآخرين، بعدم التهادي في المناسبات وهو أيضاً أمر مجرب أو بالتعامل مع المشهد بحسب الإمكانات ووفقاً لميزانية محددة.